أثار تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بشأن البلوك رقم 9 موجة انتقادات من قبل المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري. وفي كلمة له في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، أعلن ليبرمان أن "بلوك الغاز بالبحر رقم 9 هو لنا ومع ذلك أعلن لبنان مناقصة بشأنه".
إعلان ليبرمان هذا، هو ادعاء بملكيّة اسرائيل لهذا الجزء من البحر، قبل اسبوع تقريباً من إعلان لبنان توقيع العقود مع تحالف الشركات النفطية العالمية التي حصل على رخصتيّ استكشاف وإنتاج النفط في الرقعتين 4 و9 من المياه البحرية اللبنانية.
ترسيم الحدود
استُفزّت اسرائيل من قرار الحكومة اللبنانية ببدء العمل في البلوك رقم 9. حساسية هذا الموقع تكمن في محاذاته الحدود الاسرائيلية، في وقت يخوض فيه لبنان نزاعا مع تل أبيب حول ترسيم الحدود البحرية.
في هذا السياق، يوضح العميد المتقاعد أمين حطيط، وهو من قاد عملية ترسيم الحدود مع اسرائيل بعد العام 2000، أنه "لرسم الحدود بين دولتين هنالك طريقتين، الاولى عبر الاتفاقية اي تتفق الدولتين على رسم الحدود (وهو ما ليس ممكنًا مع اسرائيل)، والطريقة الثانية هي التحكيمية أي تلجأ الدولتين الى فريق ثالث للفصل بين النزاع واصدار حكمه في الموضوع".
وفي حديث مع "النشرة"، يؤكد حطيط أنه "بالنسبة الى الحدود اللبنانية البرية فهي ثابتة ولا يمكن لاسرائيل أخذ أي جزء منها، اما في البحر فلبنان رسم حدود منطقته الاقتصادية الخالصة وفق اتفاقية اوتاوا"، لافتاً إلى أنه "كان هناك خطأ بالترسيم الاول وتم تصحيحه فأضيفت مساحة جديدة إلى الحدود اللبنانية"، مضيفاً، "اسرائيل رفضت تعديلات الاتفاق وتمسّكت بالترسيم الأول، لكن الغريب في الأمر أن حديث ليبرمان الأخير يتناول البلوك رقم 9 شمال المنطقة المتنازع عليها، وبالتالي فإن الوزير الاسرائيلي قد قفز فوق المنطقة المتنازع عليها ودخل الى عمق المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة".
أوروبا واسرائيل
في إطار آخر، يظهر تصريح ليبرمان عن نيّة اسرائيلية لعرقلة عمليات التنقيب، إن كان عبر تهديد الجانب اللبناني، أو إخافة الشركات التي تعاقد معها لبنان. ويظهر ذلك بشكل واضح عندما قال ليبرمان "الشركات ترتكب خطأً فادحاً"، في مسعى واضح لمنع الشركات من التوقيع على عقد الترخيص النهائي.
وكانت الحكومة اللبنانية قد أقرت في نهاية العام 2017 منح رخصتين للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9 من حصته في البحر، لشركات "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية على أن تشمل المناطق (البلوكات) التالية:
- بلوك 4 بعمق يتراوح بين 686 و1845م تحت سطح البحر (شمالا)
- بلوك 9 بعمق يتراوح بين 1211 و1909م تحت سطح البحر (جنوبا).
فهل تؤدي هذه الأزمة إلى عرقلة العلاقة بين اسرائيل والبلدان الاوروبية المشغّلة للشركات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تل أبيب قد أبرمت اتفاقاً مع إيطاليا واليونان وقبرص في العام 2017، لبناء خط غاز تحت الماء من الحقول المنتجة في شرق المتوسط إلى أوروبا ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة خط الغاز هذا 6 مليارات يورو؟.
إقتصادياً، تكمن أهمية البلوك رقم 9 في حجم المخزون المتوقع الذي يحتويه. كما أن تلزيمه يعني حماية الغاز في لبنان من أي قرصنة قد يتعرض لها من قبل اسرائيل.
ويعود تاريخ "البلوك 9" إلى العام 2009 حين اكتشفت الشركة الأميركية "نوبل للطاقة" كميّة من احتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، تبلغ مساحته 83 ألف كم مربع، منها 22 ألف تقع في المياه الاقليمية اللبنانية. وتبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كم مربع. وتقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه هذا الجزء من المتوسط بحوالي 96 تريليون قدم مكعب، وجزء كبير منه يتواجد في البلوك رقم 9.
وفي كانون الأول من العام 2017 أوضح وزير الطاقة سيزار أبي خليل أن الربح المتوخّى جبايته من المنطقة بلوك 4 هو بحدود 65-71%، وبحدود 55-63% من المنطقة بلوك 9.
حماية البلوك رقم 9
أمام هذا الواقع، يتوجب على لبنان حماية هذه المنطقة ومعالجة هذه المسألة العالقة. كيف يتم ذلك؟ يؤكد العميد المتقاعد أمين حطيط أن الحلول تتلخّص بوسيلتين "الأولى عبر الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وبدأت الحكومة بهذا الاجراء عبر المذكرة التي ارسلتها وزارة الخارجية. الحل الثاني يكون عبر اجراءات ميدانية ويكون الجيش هو رأس الحربة في ذلك، عبر الزام اسرائيل بوقف عدوانها ووقف التعدي على الحقوق اللبنانية النفطية، واذا لم يتوصّل الجيش إلى هذه التنيجة فالمقاومة تضع كل قدراتها بيد الدولة لمقاومة أي اعتداء اسرائيلي على النفط".