قبل سنتين ونيّف، أسقطت تركيا طائرة «سوخوي 24» روسية فوق الأراضي السورية، متعمّدة ذلك لفرض «قواعد اشتباك» مع الروس، غير أنّ ردّ الفعل الروسي أربك الأتراك، وفي أوّل تعليق له وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما حصل بأنه «واقعة بالغة الخطورة» وأعقبت تصريح بوتين سلسلة مواقف روسية حازمة، لتفهم تركيا أنها تجاوزت الخط الأحمر في التعامل مع الروس. وتلك «الواقعة» جعلت التركي يحسب عاقبة أفعاله. ولاحقاً اشتركت تركيا في محادثات أستانة وإقامة مناطق خفض التوتر.
وقياساً على الموقف الروسي في التعامل مع إسقاط «السوخوي 24» قبل عامين، سيكون التعامل مع إسقاط «السوخوي 25» في إدلب أشدّ حزماً وصرامة، لأنّ روسيا تعلم أنّ المجموعات الإرهابية التي أعلنت مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، لا تستطيع القيام بذلك من دون مساعدة. فمَن هي الجهة التي ساعدت الإرهابيين وزوّدتهم بالصواريخ وقامت بالرصد وإعطاء أمر إسقاط الطائرة؟
واضح أنّ هذه الواقعة الجديدة، تحمل رسائل موقعة باسم رعاة المجموعات الإرهابية. فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يصعّدون مواقفهم ويتّهمون سورية باستخدام السلاح الكيميائي، وهذا التصعيد ليس بوجه دمشق وحسب، بل هو بوجه موسكو أيضاً. وهذا ما تكشّف من خلال تصريحات وزير الخارجية الأميركي تيلرسون الذي يمهّد لطرح ملف الكيماوي مجدّداً في مجلس الأمن الدولي بهدف إدانة سورية، من خلال مطالبة روسيا بعدم اللجوء إلى استخدام الفيتو.
التصعيد الأميركي جاء في أعقاب الإنجازات والنجاحات الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في الحرب ضدّ الإرهاب، وفي أعقاب نجاح روسيا في عقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري ـ السوري، والذي بنجاحه فقدت واشنطن إحدى الأوراق التي تتلطى خلفها.
لكن، التطوّر الذي تمثل بإسقاط الطائرة الروسية من شأنه أن يعقّد سعي أميركا لاتهام سورية، فمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أعلن أمس عدم موافقة روسيا على اتهام سورية من دون أدلة ثابتة ومن دون تحقيقات دولية، وفي موازاة ذلك لدى الروس أسئلة حول مصدر الصاروخ الذي استخدمه الإرهابيون لإسقاط «السوخوي» وعدد الصواريخ التي بحوزة الإرهابيين، علماً أنّ الروس مقتنعون بأن لا صلة لتركيا بتزويد المجموعات بنوع كهذا من الصواريخ، خصوصاً أنّ تركيا تضع كلّ ثقلها في العدوان الذي تشنّه على منطقة عفرين السورية.
وعليه، فإنّ طبيعة التعامل الروسي مع هذا التطوّر إسقاط السوخوي سيفرض نفسه، وهذا من شأنه أن يسقط أية مفاعيل محتملة للتصعيد الأميركي، وبالتالي إفشال حملة المزاعم التي تقودها واشنطن ضدّ دمشق وكشف هوية الجهة التي تزوّد الإرهابيين بالصواريخ، وفي حسابات الروس السوخوي الثانية ثابتة.