لا احتفالات. لا لقاءات سياسية أو شعبية في الذكرى الـ 12 لتوقيع تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، علماً أنّ الطرفين اختارا السنة الماضية الاحتفال بالذكرى الـ 11 في قاعة الكنيسة نفسها في الشياح، التي شهدت الولادة الرسمية للوثيقة بحضور رئيس التيار الوزير جبران باسيل والنائب علي عمّار.
عشية ذكرى 6 شباط بدا الاحتفال باهتاً. اقتصر على بيان لحزب الله. التيار الوطني الحر لم يصدر أيّ بيان مماثل. وحده وزير العدل سليم جريصاتي غرّد أمس عبر حسابه على موقع "تويتر"، منتقياً كلماته وعباراته بحكمة ودقة، قائلاً: "تبقى العبرة واحدة: إنّ تفاهماتنا المبدئية وليس السلطوية، إنما هي التي تحصّن وحدتنا الداخلية وتزيل الهواجس، إنْ وجدت، وتؤدّي الى قيام مشروع الدولة الضامنة".
وبعيداً عن الهواجس التي برزت في الشارع الشيعي من كلام وزير الخارجية إلى مجلة "الماغازين"، فإنّ الشارع العوني يؤكد "أنّ معمودية مار مخايل صمدت وترسّخت. فهي نجحت في اختبارات عدّة تمثلت بالحرب "الإسرائيلية" على لبنان، مروراً بالمعارك ضدّ الإرهاب، فقرارات المحكمة الدولية، وصولاً إلى العقوبات على حزب الله.
مقوّمات الصمود، بالنسبة للبرتقاليين، لا تزال ثابتة. التفاهم حاجة استراتيجية لا سيما في ظلّ حكم الرئيس القوي العماد ميشال عون. لقد غطّى "الوطني الحر" ذهاب حزب الله إلى سورية علنية، ويهيّئ الأرضية لعودته المظفّرة، من دون أيّ تقريش في السياسة، ومن دون ممارسة فائض القوة في الداخل. لكن في نهاية المطاف، يجب الاعتراف بأنّ وثيقة التفاهم تواجه تحدّيات؛ منها إنهاض مشروع الدولة الذي يجعل تمسك العونيين بورقة مار مخايل أكثر فأكثر.
إنّ كلام الوزير باسيل عن بناء الدولة لا يحمل مذمّة لحزب الله، بل على العكس. فالبند الرابع من وثيقة مار مخايل، يؤكد أنّ بناء دولة عصرية تحظى بثقة مواطنيها وقادرة على مواكبة احتياجاتهم وتطلّعاتهم يتطلّب النهوض بها على مداميك راسخة وقويّة لا تجعلها عرضة للاهتزاز وللأزمات الدورية، كلما أحاطت بها ظروف صعبة أو متغيّرات مفصلية.
وهذا يفرض اعتماد معايير العدالة والتكافؤ والجدارة والنزاهة. القضاء العادل والنزيه. احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتأمين استمرارية عملها وعدم تعطيلها. معالجة الفساد من جذوره...
ينطلق البرتقاليون من البند السابق الذكر، ليشدّدوا على أنّ تيارهم وحزب الله في مركب واحد في محاربة آفة الفساد التي تضرب المؤسسات. فحزب الله لم ينغمس في الفساد ويسجل له أنّ أحداً من مسؤوليه لم يُلاحَق بقضايا فساد أو تلفحه شبهة الفساد. وكذلك الحال مع وزراء التيار رغم الكلام الكثير في السياسة.
يعترف العونيون أنّ مشروع بناء الدولة يحتمل بعض القرارات، ولا يحتمل بعضها الآخر، لا سيما أننا لا نزال نعيش في ضوء منطق الحروب. ويقولون "حزب الله لم يستأذن أحداً عندما ذهب الى سورية، لكننا لسنا حزينين ولا نبكي الانتصار".
في نهاية المطاف، فإنّ التيار الوطني وحزب الله معنيان سويّة بالمحافظة على ما أنجزه رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يؤكد البرتقاليون. فالتفاهملم ينته بوصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة. نحن متمسّكون به. وليس من شيمنا الجحود والتنكّر لتفاهماتنا المبدئية. فهذه الوثيقة الوطنية ليست سلطوية عابرة، فهي برهنت عن جدواها في حماية الاستقرار العام في البلد. ومن هذا المنطلق لا نزال مؤمنين بضرورة تطبيق التفاهم على أكمل وجه لا سيما في البند المتعلق ببناء الدولة الذي يفوق أهمية الاستراتيجية الدفاعية. فالاتفاق على سلاح المقاومة يحصل عندما يحين الوقت المناسب، أيّ عند زوال التهديدات "الإسرائيلية المباشرة" أو الإرهابية بتجلياتهما. فنحن واعون أنّ الأخطار لا تزال محدقة. ونحن نريد مياهنا البحرية كاملة ومنها البلوك الغازي التاسع، وواعون أيضاً أنّ المقاومة هي عامل ردع أساسي ضدّ هذه التهديدات.
يخطئ مَن يعتقد أنّ التفاهم يعيش لحظاته الأخيرة أو يلفظ أنفاسه. لقد أثبت نجاعته. مفاعيله كانت حاسمة في تحقيق الأمن والسلم الأهلي والاستقرار السياسي. لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى تقويم بعد 12 سنة كي لا يُصاب الصدأ وكي لا يصيبه الاعتياد على غضّ النظر عن بعض بنوده.
وتؤكد مصادر مطلعة على علاقة حزب الله – التيار العوني لـ"البناء" أنّ الاتصالات لم تنقطع ولقاءات عدة تُعقد، بمعزل عن تطورات الأسبوع الماضي. فهناك حرص من حزب اللهعلى الالتزام بالتفاهم وحماية السلم الأهلي وعلى صورة المقاومة.
وسط هذا المشهد، تشير المصادر نفسها إلى أنّ ليس هناك من خلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول "بناء الدولة". فبعبدا تعتبر وحارة حريك، أنّ التوقيت ملائم لبناء دولة نزيهة تقوّض مفاصل الفساد. وعليه، فإنّ كلّ ذلك سيكون مدار بحث تمهيداً للمعالجة، من أجل تحويل الانتظارات آمالاً معقودة على وقائع، وبالتالي خطوات تعزّز الثقة بالدولة.