أحداث كثيرة شهدها لبنان في الآونة الأخيرة وُضعت في خانة محاولة التطبيع مع اسرائيل. أعمال فنية وثقافية، برز اسم اسرائيل بشكل واضح على أنها دولة "مجاورة"، وان الفن لا يمكننا اخضاعه للقواعد السياسيّة. كل هذا الكلام صدر رغم وضوح قانون مقاطعة "اسرائيل"(1) الصادر بتاريخ 23 حزيران سنة 1955 والمراسيم الملحقة به والتي يتولى أمرها مكتب مقاطعة "اسرائيل" التابع للمديرية العامة للاقتصاد والتجارة.
بعيدا عن هذه القضايا التي انقسم على اثرها الشعب اللبناني بين مدافع عنها ومحارب لها على أنها تطبيع واضح مع اسرائيل، برز مع بداية الشهر الجاري مشكلة جديدة، ألا وهي ذكر اسم اسرائيل والاعتراف بها كدولة في الجريدة الرسمية. ففي العدد الصادر من الجريدة يوم الخميس الأول من شباط، نشر مرسوماً يحمل الرقم 2221، وفي الجزء المتعلق بـ"التعاون المشترك عبر الحدود ضمن أداة الجوار الأوروبية (ENP)، برنامج البحر الأبيض المتوسط 2014-2020".
في تفاصيل هذه الاتفاقية، فقد "انشئت سياسة الجوار الأوروبية (ENP) بهدف تجنّب ظهور خطوط تقسيم جديدة بين الاتحاد الاوروبي الموسع وجيرانه. تهدف سياسة الجوار الأوروبية إلى تطوير العلاقة الخاصة بين الاتحاد الاوروبي والبلدان الشريكة، المساهمة في مجال الأمن والإزدهار وحسن الجوار. ولهذا الغرض، يعمل الاتحاد الاوروبي وبشكل وثيق مع شركائه المتوسطيين لتصميم برامج التعاون التي تأخذ بعين الاعتبار الإحتياجات والميّزات الخاصة لكل بلد".
بما يخص الدول المشاركة في الاتفاق، يكمل المرسوم المذكور على أن هذه الدول هي: الجزائر، قبرص، مصر، فرنسا، اليونان، اسرائيل، ايطاليا، الأردن، لبنان، مالطا، فلسطين، البرتغال، اسبانيا، سوريا، تونس، وتركيا والمملكة المتحدة (جبل طارق).
بشكل علني إذاً، اعترف لبنان عبر توقيعه على هذه الاتفاقية بأن اسرائيل دولة موجودة بحدودها، وهذا يظهر ضمن الخريطة المرفقة بالاتفاق. والاعتراف بحدود لاسرائيل يعني الاعتراف بها كدولة موجودة على الحدود.
"كان يمكننا ألاّ نوافق على هكذا اتفاقية"، يؤكد المحامي حسن بزي الذي ينوي في مطلع الأسبوع المقبل بتقديم طعن على هذا المرسوم. ويلفت إلى أن "لبنان لم يكن ملزماً على التوقيع وكان يمكنه بكل بساطة ألاّ يدخل ضمن هذه الاتفاقية"، معتبراً أن "ما يصدم في هذا المرسوم أن الذي وقع عليه هم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزراء الخارجية جبران باسيل، العدل سليم جريصاتي، المالية علي حسن خليل".
ويوضح بزي أنه "يمكن الهروب من هذا التوقيع عبر القول أنه لم يتم الانتباه إلى وجود اسرائيل ضمن الخريطة، لكن هذا التبرير غير مقبول، فعلى الطرف الذي يشارك في الاتفاقية التدقيق، كما أنه في مندرجات المرسوم كتب اسم "اسرائيل" أكثر من مرة، كما أن الأراضي الفلسطينية تم "تقسيمها بين اسرائيل وفلسطين"، مضيفاً "في مطلع الأسبوع المقبل سأتقدم باجراء قضائي لوضع حدّ لهذا الأمر فلا يمكننا القبول بالاعتراف بهذه الدولة".
قد يعتبر البعض أن هذا الموضوع لا يمكن احتسابه كشكل من اشكال التطبيع الذي يمنعه قانون مقاطعة اسرائيل، هنا يؤكد بزي "أن هذا المرسوم يخضع لهذا القانون، كما أنه في العديد من المواقف الرياضيّة، رفض اللاعبون اللبنانيّون المشاركة في بعض المباريات بسبب الاحتكاك بنظرائهم الاسرائيليين، كما أنه في المفاوضات مع اسرائيل، لا يتم ذلك بشكل مباشر بل برعاية قوات اليونيفيل"، متسائلاً "قانون مقاطعة اسرائيل يمنع الاعتراف باسرائيل ثقافياً وبأي شكل من الأشكال، فكيف يمكنا الاعتراف بهذا الكيان في مرسوم ينشر في الجريدة الرسمية"؟ وكيف يمكننا الموافقة على خريطة فيها حدود لبنان واسرائيل والخلاف ما زال حتى اليوم على 67 نقطة من الناقورة إلى مزارع شبعا"؟.
من الفن إلى الثقافة إلى العديد من العناوين الأخرى، وصولاً إلى المراسيم الرسميّة والجريدة الرسميّة التي تعتبر لسان الدولة، اسرائيل باتت موجودة كدولة حدودها مشتركة مع لبنان. فهل أصبح التطبيع أمراً واقعاً؟ وهل يصبح قانون مقاطعة اسرائيل قانوناً على الورق فقط؟.
(1) أبرز مواده المادة الأولى: يحظر على كل شخص طبيعي او معنوي ان يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقا مع هيئات او اشخاص مقيمين في اسرائيل، او منتمين اليها بجنسيتهم او يعملون لحسابها او لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقة تجارية او عمليات مالية او اي تعامل اخر ايًّا كانت طبيعته. وتعتبر الشركات والمؤسسات الوطنية والاجنبية التي لها مصانع او فروع تجميع، او توكيلات عامة في اسرائيل في حكم الهيئات والاشخاص المحظور التعامل معهم، طبقا للفقرة السابقة حسبما يقرره مجلس الوزراء بقرار ينشر في الجريدة الرسمية.