يقولون: إنّ الدبلوماسي رجلٌ شريف ولكنه يكذب من أجل خدمة بلاده.. والدبلوماسي الفرنسي سان جون برس «prese» صاحب مجموعة مؤلفات وتأمُّلات تتناول علاقة الإنسان بالطبيعة... قال فيه الجنرال الفرنسي ديغول: «لا أعرف ما إذا كان سان جون برس، يفهم ما يقوله سان جون برس».
وبالمقارنة مع ما يصدر عندنا من تأمُّلات وتأويلات حيال علاقة الإنسان بالإنسان، ليس من الضروري أن يتساءل الجنرال اللبناني، ما إذا كان رئيس الدبلوماسية جبران باسيل يفهم ما يقوله جبران باسيل.
لا يستطيع أحدٌ أن يتَّهم الوزير باسيل بالسذاجة السياسية والدبلوماسية، وقد كانت له مواقف في مناسبات حرجة كان أبرز الذين أشادوا بها، هم أنفسهم الذين استهدفهم بالنقد والتعريض.
إذاً، هناك سرٌّ غامض لم يتمّ اكتشاف مفتاحه بعد، ولاسيما أن الأمر تفاقم تصعيداً، ولم يقتصر على ما سرَّبته الجاسوسية الهاتفية عن لسان الوزير، وإلّا لكانت زلّة اللسان مشمولة بالأسباب التخفيفية، قياساً على ما شاع عندنا من لغةٍ في التخاطب قلَّ ما راجَ مثلها على ألسنة المومسات.
ولكن، عملاً بالنظرية الفلسفية التي ترى أن بعض الشرّ أحياناً قد يكون مبعثاً للخير، وبالنظرية اللاهوتية التي عبّر عنها بولس الرسول بقوله: «حيث يكثر الشرّ تتدفق النعمة...» فإنّ التسريبة الجبرانية على سيئاتها كان لها عندنا كثيرٌ من الحسنات والنِعَم.
لقد هتكت الثلج المتراكم فوق جبال من الوعود الوردية المكثّفة بالوهم...
وخلعت الأقنعة الملوّنة عن وجوه المسؤولين... وأظهرت دولة القانون والمؤسسات على أنها من بدائع الفانوس السحري...
وكشفت ان الوحدة الوطنية التي تفرض «ارتباط وجود كلِّ جزء بوجود جميع الأجزاء الأخرى»، على ما يقول الفيلسوف الفارابي، ما هي إلا ثنائية مذهبية من هنا، وثنائية مذهبية من هناك، وكلّ واحدة تنكمش بقشعريرة من الرفض نحو الأخرى.
وأبرزت «التسريبةُ» الهاتفية، انّ الأحزاب عندنا ما هي إلا مجموعة قبائل تمارس الغزو العشوائي ضدّ غيرها وضدّ نفسها على السواء، فلا تجمعها العقائد ولا المبادئ ولا وحدة الأهداف، وبدل أن ترفع مشاريع البرامج الإصلاحية، ترفع المصاحف والصلبان.
إنه الأنموذج الحزبي الذي مارسه بعض العرب المسلمين الذين انخرطوا في الحزب الشيوعي ولم يدركوا أن مبادئه مناهضة للأديان، حتى إن بعضهم كلما كان يعقد اجتماعاً حزبياً يستهل الإجتماع بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
عندما تكون المصالح السياسية والوطنية في المجتمع هي مصالح فئوية يتزعزع التماسك القومي، ويصبح الكلام على وجود مصلحة قومية أو مصلحة عامة مجرد حيلة كاذبة، مثلما يصبح القانون والدستور وسيلتين خادعتين لتمكين أصحاب القدرة من التحكم بالخير العام المستغَلّ وبالرأي العام المستضعف.
لعلّ الحسنة الكبرى من التسريبة الجبرانية هي في تحقيق لقاء الرؤساء الثلاثة الذي كاد يشبه المستحيلات الثلاثة، فإذا البيان الذي صدر عن اللقاء في بعبدا كأنه يعالج كل هذه المشكلات التي نطرحها، أو كأنه يضع برنامج حكم جديداً يفوق في حرارته ما ورد في البيان ا