عرض سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في لبنان الدكتور حمد سعيد الشامسي مع نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر الذي استقبله مساء أمس في مبنى العمارة، العلاقات الاخوية التاريخية بين البلدين، ونقل اليه ما تكنّه القيادة الاماراتية له من محبة واحترام وتقدير لِما أدّاه ويؤديه من دور في تعزيز العلاقات اللبنانية ـ الاماراتية. وتطرّق البحث الى آخر التطورات الجارية في لبنان والمنطقة.
بعد اللقاء زار الشامسي مكاتب «الجمهورية»، والتقى أسرة تحريرها، مؤكداً في مستهل اللقاء معها «أنّي احبّ هذا البلد الجميل حبّاً جمّاً»، مضيفاً: «هذا البلد تعلّمت فيه ونلتُ شهادتَي الماستر والدكتوراه من جامعة بيروت العربية، وجئتُ اليه سفيراً، واغتبَطّتُ كثيراً لأنّي أخدم في البلد الوحيد الذي أحببته بعد بلدي».
مثقّف هو حمد سعيد الشامسي، ومطَّلع على كل كبيرة وصغيرة في دنيا لبنان المتعددة المجالات والاطوار، «فهذا البلد يغني التجربة الديبلوماسية لأيّ سفير او ديبلوماسي يَخدم فيه، بل انه مدرسة مهمة في العمل الديبلوماسي».
ويفخر الشامسي في انه تمكّن من خدمة بلده في لبنان، على النحو الذي يفرضه الواجب، معدداً الانجازات والمشاريع التي حققها في مختلف المجالات وعززت العلاقات التاريخية بين البلدين منذ تأسيس دولة الامارات قبل 47 عاما، مشيراً الى ما كان يكنّه رئيسها ومؤسسها المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من محبة لبنان واللبنانيين الذين لعبوا دوراً كبيرا في بناء دولة الامارات ونموّها وازدهارها في مختلف المجالات، وهي تحتضن اليوم 47 ألفاً منهم».
صريح حمد الشامسي في التعبير عن الموقف، وجريء في الدفاع عنه، وغني بالمعلومات حتى في تفاصيل التفاصيل ومتابِع لمجريات الاوضاع في لبنان ويعرف ان لا أسرار تُحفظ في لبنان.
ويقول: «لبنان مقبِل على انتخابات طاحنة، ونحن نريد الخير لهذا البلد، وعلينا ان نعرف تاريخه وطبيعة نسيجه والتنوّع الذي يتميّز به، فاستقرار لبنان مهم جداً، ولا ننسى انّه يتأثر بمحيطه الاقليمي بسبب تركيبته الداخلية الحسّاسة. هناك رئيس للبنان ومجلس نيابي وحكومة تدير العمل المؤسسي، والانتخابات المقبلة ستتمّ على اساس قانون جديد ربّما يكون لمصلحة فريق وضدّ مصلحة فريق آخر، وكلّ فريق يقول رأيه فيه، ولكنّي ارى انه سيخلق مفاجآت كثيرة لكثير من الناس.
وقيل للشامسي: هل هذه المفاجآت سلبية؟ فأجاب: «لا، إنّها مفاجآت ايجابية. في الأسماء والحصص والصوت التفضيلي وغيره..». ويضيف: «القانون يبدو في ظاهره معقّداً ولكنّه بمجمله بسيط، وأعرف لمصلحة مَن سيكون، ومَن سيربح ومَن سيخسر بموجبه، ولكن في النهاية هناك توافق عليه». ويقول: «اتوقّع إجراءَ الانتخابات في موعدها، الجميع يسأل عن دور دول الخليج في هذا المجال، لكنّي أجزِم انّ هذه الدول ودولة الامارات العربية المتحدة تحديداً محِبّة للبنان بنسبة الف في المئة ولا مجال للشك في هذه المحبّة، هناك دولة تُمرّر «مسّاجات» سلبية عن الدول الخليجية المحِبّة للبنان ولكنّها لن تنجح في ذلك لأننا اتفقنا على ان نُجنّب لبنان مشكلاتنا الخليجية لأنه لا يستطيع تحمّلَ اكثر مما هو فيه، فدولُ الخليج محِبّة للبنان، ولا سيّما منها السعودية والامارات والكويت».
ويرفض الشامسي الخوض في التفاصيل اللبنانية ومن هو الفريق المسيطر في لبنان وغير المسيطر، ويقول: «نحن دائماً مع حلفائنا المعتدلين وبعضُهم الآن مختلفون في ما بينهم، ونحن ننسّق المواقف معهم، ولكننا لا نتدخّل في شؤون الدولة اللبنانية؛ الانتخابات باتت على الابواب والجميع يستعدّ لها، وربّما دخلت على خطّها دول لكي تدعم، في مقابل دول تدعم لتخرب، ونحن نقف دائماً مع حلفائنا ولن نترك لبنان الذي نحبّه كثيرا».
ويقول الشامسي: «إستقرار لبنان مهم بالنسبة الينا، ونحن ندرك انّ هذا البلد يتأثر دوماً بكل ما يحصل في محيطه الاقليمي بسبب تركيبته الداخلية الحساسة»، ويضيف: «دولة الامارات لا تتدخل في الشأن الداخلي اللبناني، ولا في شؤون غيره من الدول، ولكنّ أجندتنا فيه من خلال السفارة هي اجندة العمل على التوافق ما بين الجميع، وأوّل بندٍ فيها هو دعم الاستقرار السياسي اللبناني لأنه ينتج استقراراً اقتصادياً، يكون مبنياً على الاستقرار الامني، وفي هذا الصَدد لدينا تواصل امني مبني على الثقة والتعاون مع المؤسسات العسكرية والامنية اللبنانية، ونحن ندعم هذه المؤسسات، وسبق لنا ان دعمناها يوم كان دولة الرئيس الياس المر وزيراً للدفاع والداخلية، لتعزيز استقرار لبنان ومساعدته في القضاء على الارهاب، حيث انّنا شركاء دوليون في مكافحة الارهاب الذي يشكّل خطراً على العالم اجمع. ودعمُنا لاستقرار لبنان الداخلي مستمرّ منذ 15 عاما».
أجندة تنموية
ويضيف الشامسي: «كذلك لدينا في لبنان اجندة تنمية، وقد أنشأنا في السفارة ملحقية تنموية لتنظيم تقديم المساعدات للمشاريع الانمائية بالتعاون مع الجهات الرسمية ومنها وزارة الداخلية والهيئة العليا للاغاثة وغيرها بعيداً عن الافراد والجمعيات، بحيث يتمّ تقديم هذه المساعدات لمستحقّيها بعيداً عن ايّ جمعيات ربّما تكون مشبوهة».
ويلفت الى «أنّ المساعدات تقدَّم في جانب منها لسكّان الاطراف في لبنان حيث تُطاوِل المجتمعات الفقيرة، التي يؤدي الفقر فيها الى تولّدِ الفكر الارهابي، ولذلك فإنّنا نعمل للقضاء على الارهاب في لبنان من خلال المشاريع التنموية.
وفي هذا الصَدد فإننا نساعد لبنان على تحمّلِ عبءِ النزوح السوري الكبير عليه، فهو يتحمل اعباءَ اكثر من مليونَي نازح، ونتعاطى مع هذا الملف إنسانياً بعيداً عن ايّ سياسة او تسييس، وذلك بالتنسيق مع الحكومة والبلديات، والمساعداتُ التي نقدّمها هي بنسبة 50 في المئة للسوريين مقابل 50 في المئة للبنانيين، كونهم يتحمّلون اعباءَ النزوح ايضاً.
فنحن متنبّهون الى هذا الموضوع جيداً ولا يمكن ان نُقدِم على ايّ خطوة في هذا المجال من شأنها ان تزرع حقداً بين اللبنانيين والسوريين، وهذا الملف أديرُه انا شخصيا، ويتمّ توزيع المساعدات من خلال وزارة شؤون النازحين والامم المتحدة».
ويؤكد الشامسي «أنّ لدينا برامج عدة لمساعدة لبنان في موضوع النازحين وقد افتتحنا مدرسة لتعليم ابناء النازحين في البقاع تعمل بدوامين يومياً وذلك في مبادرة منّا لحضّ الدول الاخرى على السير في النهج نفسه. ويشير الى انه خلال عشاء مع مجموعة من الاقتصاديين اقترَح ان يزور وفد اقتصادي المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة حاملاً اجندة البند الاوّل فيها تشجيع القطاع الخاص في البلدين على الاستثمار في لبنان من دون انتظار الحكومات وإجراءاتها، على ان تتخذ الحكومة اللبنانية التدابير التي تسهّل اعمال المستثمرين الذين في امكانهم خلقُ فرصِ عمل كبيرة للبنانيين من خلال مشاريعهم الاستثمارية وذلك على قاعدة «أفيد واستفيد».
ويشير الشامسي الى أنه زار مدينة جزين اخيراً واكتشف أنّ فيها منتجات كثيرة يمكن تسويقها في دول الخليج، وقد اتفقَ مع المعنيين على فتح سوق لهذه المنتجات بين لبنان والامارات.
ويقول انه يتولّى شخصيا حلّ مشكلات اللبنانيين في دبَي وقد خصّص مكتباً لتلقّي طلباتهم ومشكلاتهم والعمل على معالجتها، مشيراً الى أنّ دولة الامارات «تستفيد كثيراً من الكوادر اللبنانية التي كان ولا يزال دورها مهمّاً في انشاء دولة الامارات، إذ كان الشيخ زايد حمد الله يقدّر هذا الدورَ كثيراً».
مساعدة النازحين
ويتحدث الشامسي عن النازحين السوريين في دولة الامارات، فيؤكّد «أنّ عددهم يبلغ مئة الف نازح، ويقول ليس لدينا نظام لجوء، فقد منحنا هؤلاء جميعاً إقامات دائمة أمَّنت انخراطهم بالمجتمع الاماراتي، وبينهم كثير من اصحابِ المهن وهم يعملون ويعيشون في اوضاع طبيعية».
ويقول: «إنّ الامارات ملتزمة دعمَ النازحين السوريين وهي تجاوَزت الحصة التي حُدّدت لها في مؤتمرات الدعم والبالغة 650 مليون دولار، وقد وصل هذا الرقم الى اكثر من 850 مليون دولار ما جعلَ دولة الامارات تحتل المركز الاول عالمياً في تقديم المساعدات الانسانية للسنة الرابعة على التوالي».
ويتحدث الشامسي عن برامج دولة الامارات للشباب العربي وعن مبادرات الشيخ منصور بن زايد المخصصة للشباب العربي، ويؤكد «انّ هذه المبادرات ستشمل لبنان بحيث انّ الامارات ستدرس أيّ فكرة لأي شاب أو شابة وستدعمها مادياً ومعنوياً، خصوصاً إذا كانت تفيد لبنان». وقال «إنّ الشيخ منصور اطلق هذه المبادرات في القمّة الحكومية الاماراتية خلال العام الماضي وهذه القمّة ستنعقد قريبا».
ويلفت الشامسي الى المبادرات الانسانية لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد والتي تشمل قطاع التعليم. ويقول: «سأحاول تأمينَ حصة كبيرة للبنان ضمن هذه المبادرات. وتركيزُنا هو على الدول العربية لأنّ العرب ليسوا أقلّ من غيرهم في التميّز، والمتميزون العرب ولا سيّما اللبنانيين منهم موجودون في كل الدول، وإنّي لأحزنُ لتقصيرِنا كعرب في استقطاب هؤلاء المتميزين، وما يُحزنني هو الكادر العربي الذي عاش في الخارج واستفادت منه الدول ولم يستفِد بلدُه منه