اسقاط الدفاعات السورية لطائرة اسرائيلية ليس أمراً عابراً. انه التحول في قواعد الاشتباك التي حكمت المعادلة منذ عام 2011 على الأقل حتى الآن. كان الاسرائيليون يتجرأون ساعة يشاؤون على ضرب الاهداف العسكرية في سوريا. كانوا يتدخلون عند كل تقدم للجيش السوري في معاركه ضد المسلحين. إعتقدت تل أبيب ان دمشق منشغلة، او عاجزة، ولا تستطيع الرد على غارات اسرائيلية استخدمت سلاح الجو-الأكثر تميزاً ودقة عند الاسرائيليين. لكن جاءت المفاجأة بالرد السوري وإسقاط طائرة اسرائيلية. هنا يبدو التحول الاستراتيجي في لعبة الميدان.
إعتمد الاسرائيليون في كل حروبهم ضد العرب على سلاح الجو. منذ عام 1948 كانت اسرائيل تلجأ الى الطائرات لكسب أي معركة. حصل ذلك في معركة المالكية الشهيرة في جنوب لبنان، يوم كادت الجيوش العربية ان تكسب المعركة، لكن تدخل الطائرات حسمها لصالح الاسرائيليين. ثم كرّت المعارك التي خاضها الاسرائيليون، فإعتمدوا على سلاح الجو لتمهيد ساحات الحرب ودخول قوات البر. ضربوا الطائرات اللبنانية في مطار بيروت، وأغاروا على سوريا في معارك عدة. وخاضوا أعنف مواجهات بطائراتهم فوق البقاع ضد السوريين. وتفوقوا على الفلسطينيين في غزه بسلاح الجو. ودمروا الضاحية في بيروت عام 2006 بالسلاح ذاته. وتوعّدوا بكسب أي معركة فقط بالاستناد الى سلاح الجو. ترجموا تهديداتهم في سوريا طيلة سنوات الازمة. نجحوا في ضرب مراكز عسكرية سوريّة، وقوافل ادّعوا انها تعود لحزب الله.
لكن ماذا حلّ الآن؟ لماذا أرادت سوريا تغيير قواعد اللعبة؟.
في الأسابيع الماضية برز تحرك اسرائيلي بإتجاه روسيا والولايات المتحدة الأميركية لتحقيق "أمن اسرائيل" عبر فرض اتفاقيات مع السوريين برعاية روسيّة، فأرادت تل ابيب منع حصول أي تسوية في سوريا من دون تحقيق مكاسب اسرائيلية. رفع الاسرائيليون سقف تهديداتهم ضد اللبنانيين والسوريين واستخدموا النفوذ الايراني حجة لتبرير نوايا العدوان. ثم جاءت الغارات الجوية المعتادة لتطال قاعدة عسكرية سوريّة في مطار التيفور وسط البلاد، فردّ السوريون بإستخدام سلاح الدفاع الجوي وأسقطوا طائرة اسرائيليّة معتدية. تفاجأت تل ابيب وادّعت أن ضربتها الجوية جاءت رداً على تسلل طائرة استطلاع ايرانيّة نحوها. لكن التبرير لا مكان له، لأن الحدث صار اسقاط سوريا لطائرة اسرائيلية. هنا تكسر دمشق الهيبة الاسرائيلية وتنتقم لكل الاعتداءات بحقها منذ2011.
الحدث ليس عابراً، لانه يعني ان تميز تل ابيب لم يعد موجودا، فسوريا لديها اسلحة دفاع جوي لضرب عامل التفوق الاسرائيلي. لجوء دمشق اليوم لاستخدام السلاح الكاسر لقواعد الاشتباك يعني رداً سورياً واضحا بأن دخول اسرائيل المعركة كما تلوّح لم يعد بسيطاً. لا مكان لشروط تل ابيب في المعادلة السورية، ولا ضمان روسياً لإسرائيل. هذا يخلط الاوراق الاسرائيلية ويعيد تل ابيب الى نقطة الصفر. لأن، لا قدرة لها على ادخال قوات برية في المعمعة السورية، وبوجود قوات ومجموعات عدة قادرة على اغراق الاسرائيليين في المستنقع السوري.
اليوم سقطت الهيبة الاسرائيلية بالدفاعات السورية. لم تعد المعادلة هي ذاتها. اي حرب ستكون مكلفة للاسرائيليين وتفتح ابواب النار عليهم من كل اتجاه. ما حصل يزيد من فرص استبعاد الحرب الاسرائيلية لأن مصيرها سيكون مجهولا. لكن التهديد والضربات والرد سيبقى قائماً من ضمن حدود تضبطها المصالح الدولية ايضاً.