بغض النظر عن الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل والتي حملها نائب مساعد وزير الخارجية دافيد ساتيرفيلد خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، وما إذا كانت ستثمر شيئاً أم لا، مرتاح جداً هو الجانب اللبناني لما تقوم به إسرائيل على الحدود المقابلة للخط الأزرق لناحية ما بات يعرف بالجدار الإسمنتي الذي بدأ الجيش الإسرائيلي بتشييده الأربعاء عند رأس الناقورة. وفي هذا السياق تقول المصادر العسكرية، "لو كانت إسرائيل تريد جر المنطقة الى حرب، لكانت بدأت أعمال البناء من نقطة حدودية متنازع عليها، ولم تكن بوارد الإبتعاد عن أقرب نقطة خلاف عشرات الأمتار كما هو الحال في رأس الناقورة". المصادر العسكرية التي تقصّت عن مشروع الجدار الإسمنتي الإسرائيلي، تؤكد أن الجدار الذي يقدر طوله بإمتداد قد يصل الى ٥ كيلومترات، وفي حال إستكملت أعماله كما هو مخطط لها إسرائيلياً، سيتعدّى على ثلاث نقاط حدودية خلافية مع لبنان، من أصل النقاط الـ١٣ (رأس الناقورة، علما الشعب(٣)، البستان، مروحين، رميش، يارون-مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة-كفركلا، المطلّة-الوزّاني، مزارع شبعا، بلدة الغجر المحتلة) التي يتحفّظ عليها لبنان، وهذه النقاط الثلاث هي رأس الناقورة وعلما الشعب والعديسة، غير أن النقطة الأصعب والتي يمكن أن يقع بسببها الإشكال بين لبنان وإسرائيل فهي نقطة العديسة المواجهة لمستوطنة مسكاف عام، لماذا ستكون هذه النقطة الأصعب؟ لأن عرض المنطقة المتنازع عليها هناك بين لبنان وإسرائيل يبلغ المئة متر، ومهما فعل الجيش الإسرائيلي سيتعدّى الجدار على اراضٍ لبنانية، كيف لا وإسرائيل نفسها، قد إعترفت في العام ٢٠١٣ بلبنانية أراضٍ واسعة في مسكاف عام، يومها نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية مقالاً بعنوان "أراضي الكيبوتس وراء حدود لبنان" تشير فيه إلى أن إدارة كيبوتس مسكاف عام، أي التجمّع السكاني التعاوني في هذه المستوطنة الواقع قبالة بلدة العديسة، "تبلغت من وزارة الداخلية الإسرائيلية أن قسماً منها هي أراضٍ سيادية لبنانية ولا يحق استخدامها" وذلك في معرض ردّ الوزارة على طلب تغيير وجهة استخدام عدد منها وتحويلها من أراضٍ زراعية إلى سكنية. واشترطت قبل البحث بالطلب "الانسحاب إلى حدود إسرائيل وتعديل الخط الأزرق". وهنا لا بد من الإشارة الى أن هذه الأراضي اللبنانية في العديسة، صادرتها إسرائيل ثم ضمتها رسمياً الى أرضها بالتواطؤ مع الأمم المتحدة وتحديداً خلال ترسيم الخط الأزرق عقب تحرير الجنوب عام 2000، وذلك بهدف المحافظة على سيطرة جنودها عليها.
وفيما أبقى حزب الله على صمته، سخرت مصادر مقربة منه من عملية بناء الجدار الإسمنتي الذي يبلغ إرتفاعه ٦ أمتار، معلقةً "هل يقنع الجيش الاسرائيلي نفسه بأن جداراً كهذا سيحمي أراضيه؟ وهل يعتقد أن عملية الرد على أي أعتداء ستكون عبر صواريخ أرض-أرض تصطدم بهذا الجدار ولا تصل الى إسرائيل؟ حقّاً لم يتعلم من حرب تموز ٢٠٠٦، وحقّاً لم يضع ضمن حساباته أن الجدار يجعله مضطراً إذا قرر دخول لبنان ثانيةً الى عبور دباباته عبر نقاط محددة، وهنا يصبح من السهل جداً إستهدافها كون هذه النقاط مكشوفة ومعروفة".
إذاً، بناء الجدار الإسرائيلي على حدود لبنان، هو لزوم ما لا يلزم، لأنه لن يحمي الأراضي الاسرائيلية، ولن يمنع وقوع حرب إذا تم التعدّي على أراضٍ لبنانية، فالقرار العسكري متخذ بالرد وعلى كافة المستويات في لبنان.