ما ان يتم نسيان التوتر على الحدود الجنوبية للبنان، حتى تتصاعد الحرارة على خط التهديدات الاعلامية والكلام المتداول في اكثر من مكان حول امكان حصول حرب قريبة، وتبدأ السيناريوهات المتعددة وتنشأ "بنوك" من نوع آخر هي "بنوك الاهداف" التي سرعان ما يتم وضعها على لسان أناس غير معنيين بالشؤون العسكرية والقتالية...
ومع التسليم بأن احداً لا يمكنه معرفة ما يخبّئه المستقبل وما تحمله الايام المقبلة من معطيات، يبقى التحليل المنطقي احد الابواب التي يمكن طرقها لتوقع بعض الامور، وفق سير الاحداث وتطوراتها المتسارعة. وبغض النظر عن المعادلة الجديدة التي فرضتها سوريا باسقاطها طائرة عسكرية اسرائيلية من طراز "اف-16"، وما قام به الاكراد من اسقاط لطوافة عسكرية تركيّة في الاراضي السورية ايضاً، فإن الامور سرعان ما شملت لبنان كونه البلد الذي شهد اشرس واقوى المواجهات مع الاسرائيليين، والوحيد الذي تمكن من ايصال الصواريخ الى الداخل الاسرائيلي. ولكن، هل نحن فعلاً على ابواب الحرب؟.
المعطيات الميدانية تشير الى "نقزة" اسرائيلية من الرسالة الروسية الاخيرة التي تم توجيهها عبر الجيش السوري، حيث اثبتت الصواريخ الروسية بالفعل وليس فقط بالقول، انها قادرة على استهداف الطائرات الاميركية الصنع بنجاح وفاعلية. ولطالما كانت اسرائيل تحظى بغطاء روسي ودولي للقيام بطلعاتها واستهدافها للاراضي السورية، ولطالما هدّد السوريون بالردّ دون ان ينفذوا تهديدهم بسبب غياب الغطاء الكافي لهم.
اما اليوم، فأطلق العنان للصواريخ الروسية لاصطياد الطائرات الاسرائيلية، هو امر جعل القيادة الاسرائيلية تعيد حساباتها. وانطلاقا من هذا الواقع الجديد، فإن الحسابات ستتضاعف عند الحديث عن لبنان والحرب معه، اذ لطالما كان لبنان يعاني من حلقة ضعيفة وحيدة تتمثل بالتفوّق الجوي الاسرائيلي حيث كانت الاجواء اللبنانية متاحة دون أي عناء لتستعمل الطائرات الاسرائيلية صواريخها وتحول الاراضي اللبنانية الى نار مشتعلة ودمار. وفي حين اقلق اللبنانيون الجيش الاسرائيلي براً وبحراً، كان الجو نقطة الضعف الوحيدة. ولكن، مع ظهور انظمة الدفاع الجوي الروسيّة مع الجيش السوري ومدى قدرتها، فما الذي يمنع من وصول مثل هذه الانظمة الى حزب الله، او على الاقل صواريخ ارض-جو اقل تطوراً ربما لكن خطرها يبقى قائماً وجدياً على الطائرات الاسرائيلية.
ومع علامة الاستفهام التي باتت توضع على سلامة الطائرات الاسرائيلية التي ستغير على لبنان، وفي ظل الخطر الموجود في سوريا، باتت اسرائيل في موضع لا تحسد عليه، ولن ينفع هذه المرة لجوءها الى خيار الحرب لاستقطاب الاهتمام الدولي وكي تطبخ الدبلوماسية الدولية طبختها لصالح الاسرائيليين. اليوم، بات الخطر جدياً، والقيام بمغامرات عسكريّة لم يعد بهذه السهولة لان نتائجها ستكون خطيرة على الداخل الاسرائيلي وعلى كل من يتخذ هذا القرار، بحيث سيضع هذا الشخص مستقبله السياسي والعام على كف عفريت.
كل هذه المعطيات والتطورات والاحداث تشير الى ان الوضع الحالي لم يعد كما كان عليه سابقاً، وان الوجود الروسي في المنطقة غيّر الكثير من الامور، ولا يمكن تجاهله او تخطّيه لانه قادر على قلب المعادلات بلحظات، والمطلوب التنسيق معه والوقوف عند رأيه والا لن تتطابق حسابات الحقل التي سيضعها الاميركيون والاسرائيليون وغيرهم، مع حسابات البيدر، لان الفارق ستفعله الاسلحة الروسية والحضور العسكري لها ولايران وتركيا في سوريا والمنطقة بشكل عام. وفي ما خص لبنان، فإنه بات من الصعب جداً على اسرائيل الدخول في مخاطر اتخاذ قرار بالاعلان عن اي حرب مقبلة، حتى ولو تعلّق الامر بالحدود البرية والبحرية، او بالنفط والغاز، لان التداعيات لن تقتصر على منطقة محدودة بل ستطال اكثر من منطقة واكثر من بلد.