طفت مؤخرا على سطح مياه البحر المتوسط الورقة النفطية فاردة بانابيبها المتشابكة فصلا جديدا من فصول الصراع في المنطقة. وكما يبدو ان خط التشابك استدار اليوم باتجاه لبنان مع اقراره مؤخرا منح رخصتين للتنقيب عن نفط البلوكين 9 و4 من حصته في البحر المتوسط لائتلاف شركات روسية وفرنسية وايطالية، استتبعه تهديد اسرائيل واستعدادها لعرقلة التنقيب اٌستتبع بردود رسمية وغير رسمية لبنانية حازمة وحاسمة بالتصدي لأي اعتداء من قبله لهذه الجهة.
وفي قراءة لهذا المشهد يبرز نتوءا لا يمكن اشاحة النظر عنه ألا وهو تقدم عرض لائتلاف شركات، على رأسها الشركة الروسية " نوفاتاك" على البلوك 9 بالرغم من علم الاخيرة لحساسية هذه المنطقة ووقوعها بمحاذاة المنطقة المتنازع عليها مع تل ابيب.
بالطبع ان موسكو مدركة تماما لما تقدم عليه عبر اهم شركاتها في نفط المياه الدافئة، انطلاقا من منصة جنوب لبنان، الذي بتصورها يشكل استقراره وأمنه ظهيرا قويا للحفاظ على امن سوريا وتفادي سقوطها، الامر الذي يصب ضمن رؤية موسكو الاستراتيجية لمستقبل دمشق وربما هذا ما يتطابق والمواقف الصادرة مؤخرا، الغامزة في قناة "ان الجبهتين السورية واللبنانية هما جبهة واحدة في مواجهة اسرائيل والدفاع عند اي اعتداء منها". هذا اذا ما اضفنا اليه ملف النفط السوري ومستقبله، الذي، مازال معلقا بانتظار الانتهاء من مرحلة توزيع الحصص الميدانية. من هنا يأتي الحراك الاميركي ليخطف الاجواء اللبنانية بجولات مكوكية لقياداته متأبطين عدة ملفات، وعلى رأسها الملف النفطي مع ما يحوم حولها من تهديدات اسرائيلية، محاولين تقويض النفوذ الروسي في التمدد في المياه اللبنانية عارضين الدخول على خط التهدئة والحل، الذي، هو في حقيقة الامر ليس سوى تأجيل مدبر للتهديد الاسرائلي حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، وتصل فيه واشنطن مع موسكو على ما يسر خاطرها وخاطر حلفائها.
قد لا يكون كسر الضلع الروسي في المنطقة هو الهدف الوحيد في المساعي الاميركية الاخيرة وانما فرط مثلث الاضلع الروسي-الايراني-التركي هو ايضا احد هذه الاهداف، وقد برز ذلك في لغة التودّد الاميركية المبطّنة مؤخرا حيال انقرة مستفيدة من التوتر القائم بينها وبين موسكو على خلفية اسقاط الطيار الروسي والشبهات الدائرة حولها، معوّلة في آن على مواقف تركيا الرافضة لبقاء النظام السوري وحاجتها للجم الاندفاعة الكرديّة، كل ذلك يدخل في اطار تهيئة واشنطن للارضية اللازمة لعودة تفعيل الاتفاق التركي-الاسرائيلي النفطي، والذي، يقضي بجر نفط اسرائيل الى تركيا ومنها الى اوروبا، مع ما يتطلبه ذلك من حل للنزاع مع قبرص. كل ذلك يأتي في مقابل سحب تركيا من قائمة اهم المستوردين لنفط موسكو.
بالطبع الاحاطة الاميركية للملف النفطي ليست بعيدة ايضا عن الاتفاقات التي حيكت بين مصر وقبرص وهذه الأخيرة واسرائيل، واليونان وايطاليا حيث لا تخفي قبرص سعيها لان تكون نقطة التقاء لنفط دول البحر المتوسط باتجاه اوروبا وغيرها من الدول، وذلك ضمن صفقة متشابكة خيوطها، حيث لم تخفِ مصادر عن سعي قبرص مع عدد من الدول التي عقدت معها اتفاقات نفطية لتوسيع اطر التعاون لتشمل دول اخرى كلبنان والاردن وغيرها من الدول، وربما هذا ما يفسر الزيارة الخاطفة التي قام رئيس الحكومة سعد الحريري قبيل عودته الى بيروت بساعات قليلة ابان استقالته والتي دارت حولها علامات استفهام عدة.
امام هذا الواقع يبدو ان لبنان سيحظى بجرعات دعم زائدة ومن نوع آخر قد لا تكون آثارها الجانبية محمودة سيما في ظل بروز تسابق دولي غير معتاد على تقديمها. وفي هذا الاطار لابد من الاشارة الى اعلان روسيا الاخير على انها في طريقها لتوقيع اتفاقية التعاون العسكري مع لبنان، وقد طلب رئيس الحكومة الروسي ديمتري ميدفيديف من وزارة الدفاع الروسية بدء المحادثات مع نظيرتها لتوقيع الاتفاقية، وابرز ما تنص عليه هو فتح الموانىء اللبنانية امام السفن العسكرية الروسيّة وجعل المطارات اللبنانية محطة لمقاتلاتها وذلك وفقا لما نقلته مصادر اعلامية روسية.