أتت عملية اسقاط سوريا للطائرة الاسرائيلية فوق اصبع الجليل لتؤكد امتلاك دمشق لعناصر القوة الردعية. هي كانت استخدمت ذاك السلاح في السنوات الماضية، من دون تحقيق كسر الهيبة الاسرائيلية بضرب أحدث طائرات الاسطول الجوي الاسرائيلي "أف 16". اسقاط الطائرة الاسرائيلية هذه المرة له دلالات واضحة، تبدأ من الضوء الاخضر الروسي الذي كانت تنتظره سوريا منذ شن أول غارة اسرائيلية عليها في أولى سنوات الأزمة القائمة. يحكى "أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان زار روسيا لحضور جنازة ليونيد بريجنيف وتهنئة خلفه يوري اندروبوف على رئاسة الاتحاد السوفياتي عام 1982، حضرت في جلسة الصديقين الأسد واندروبوف وقائع الحرب الاسرائيلية أثناء الاجتياح للبنان والضربات التي تلقاها الدفاع الجوي السوري آنذاك. كان عتب الأسد شديدا على الفشل السوفياتي في الحرب الالكترونية الذي تسبب بتمكين السلاح الأميركي –المستعمل اسرائيليا- من تعمية الرادارات السوفياتيّة وافشال قدرة عائلة "سام 2" و "سام "3 و"سام 6" على اعتراض الطائرات الاسرائيليّة المهاجمة، وافشال رادارات المقاتلات السورية التي صعدت الى السماء لتعويض شلل الدفاع الجوي، فاذا بها تتساقط بالعشرات بواسطة "أف 15" و"أف 16". أدرك يومها اندروبوف أن هزيمة الطائرات والدفاع الجوي السوري هي هزيمة للاتحاد السوفياتي ومنظومة اسلحته، فقرر ارسال "سام 5" بكوادر سوفياتية لتنتشر فوق الجغرافيا السوريّة. بعد أقل من عام استخدمت دمشق المنظومة الجديدة وأسقطت قاذفتين أميركيتين فوق لبنان". كرّت سنوات الهدنة الطويلة ومشاريع التسويات، ولم تستخدم دمشق تلك المنظومة، الى أن كان الرد على الاعتداءات الاسرائيلية في سنوات الازمة وصولا الى اسقاط الطائرة منذ أيام.
بالطبع قامت سوريا بتحديث تلك المنظومة الدفاعية الجوية، وأدخلت عليها تقنيات جديدة ونوعية، مستفيدة من الخبرات الروسية والايرانية وتجاربها النوعية خلال سنوات الازمة. لا يقتصر التحديث على "سام 5". هناك تقارير دولية عدة تحدثت عن امتلاك السوريين لسلاح الردع الذي يستطيع احباط أي هجوم اسرائيلي، لا بل اصابة الاهداف الاسرائيلية بدقة من خلال منظومة صورايخ أرض–أرض بعيدة المدى باتت تمتلكها سوريا. لم يعد السلاح الجوي الاسرائيلي–مفخرة تل ابيب قادر على حسم المعركة، ولا ضمان أيّ نتائج عسكرية. الاسرائيليون قرأوا جيدا معنى القدرة السورية على ضرب أحدث طائراتهم في عز انشغال دمشق بأزمتها الداخلية الممتدة منذ سبع سنوات.
روسيا لن تسمح بكسر الجيش السوري الذي بات المتكأ الوحيد لها في معركتها ضد الارهابيين. هي لا تريد استنزاف قواتها في الميدان، وتسعى لفك الاشتباك بين السوريين والاتراك شمالا، لكن أنقره تريد أولا من السوريين والايرانيين المساهمة معها بتقويض الكرد الذين يشكّلون عماد الوجود الأميركي في سوريا، بينما تريد دمشق من الاتراك أولا وقف التمدد قرب حلب ولجم المجموعات التي تأتمر بأوامرها في الشمال والوسط، لا بل المؤازرة في ضرب القوات التابعة للسعودية. كلها عناوين قابلة للأخذ والرد بمسلّمة وحيدة: ممنوع كسر سوريا. يعني ألاّ سماح لاسرائيل بضرب الجيش السوري، ومساعدته روسيا بكل الامكانات والقرارات لمنع هزيمته ان حصلت الحرب الاسرائيلية.
في لبنان، المشهد الدفاعي يتكرر. لا يحمي الجدار اسرائيل. تل ابيب تخشى وجود شبكة صواريخ بر وجو دقيقة للغاية تستطيع تأمين غطاء لدخول "حزب الله" الى المستوطنات الشمالية. الخبرة العسكرية التي اكتسبها عناصر الحزب في الحرب السورية كافية لتحقيق انتصاره في اي حرب تشنها اسرائيل.
تل أبيب التي تختبر الضيق الشعبي الفلسطيني من الاوضاع الداخلية، تخشى عصيانا شاملا في الضفة والقدس. وهي لا تستطيع ايضا القيام بحرب في غزه. فماذا لو حصل الرد من القطاع أيضا في حال شنت اسرائيل حربا على الجبهة الشمالية؟ اسرائيل تتلافى المعارك على تلك الجبهة ايضا. من ناحية ثانية بات شمال سيناء ساخنا بوجود تنظيم "داعش" والحرب التي تشنها مصر على الارهابيين. لا تستطيع تل ابيب ضمان عدم تفلت تلك الجبهة.
الأهم من ذلك، هو تراجع الدور الوظيفي لاسرائيل بالنسبة الى الاميركيين. لم يعد وزنها هو ذاته. هي تدرك ذلك، وتفتح الخطوط مع موسكو مباشرة، كما بدا في زيارات عدة قام بها بنيامين نتانياهو ومبعوثوه الى روسيا في الاشهر الماضية، من دون الوصول الى نتيجة واضحة، بدليل استخدام سوريا لصواريخ روسية في اسقاط الطائرة الاسرائيلية.
النتائج المعروفة للحرب الاسرائيلية ان حصلت، تمنع وقوع الحرب.