في أروقة الحوار بين القوى السياسية حول التحالفات الانتخابية نقاشات أحجام وترشيحات لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، بولادة لوائح إنتخابية تكون تعبيراً عن نيّات التحالفات المعلنة.
ففي استثناء الثنائي الشيعي القادر على حسم لوائحه وترشيحاته في دوائر الأكثرية الشيعية، والدوائر التي لهذا الثنائي تأثير فيها، تتخبّط القوى السياسية الأخرى بتحالفاتها، التي ستتمّ على الأرجح في دوائر دون أخرى تبعاً لمبدأ التحالف الموضعي، أي التحالف «على القطعة»، وهذه المعضلة يعاني منها الجميع.
وتورد أوساط مطّلعة نماذج عن صعوبة التحالفات الموضعية وهي المتّصلة أساساً بالصوت التفضيلي وما ينتجه من تضارب في الجمع بين القوى السياسية في لوائح واحدة:
• أولاً، تروي شخصية ناشطة على خط الاتصالات بين تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، فصولاً من النقاشات التي دارت بين هذه الاطراف، فتقول إنّ نيّة التحالف التي باتت موجودة تصطدم في كل دائرة بقراءة الماكينات للأرقام والاصوات، وخصوصاً الصوت التفضيلي، ففي وقت يمكن بسهولة الإتفاق على لوائح مشتركة، تكمن الصعوبة بتقدير كل طرف لحجمه، ففي دائرة معيّنة قد يكون فريق لا يملك الحاصل الانتخابي، لكنه يملك النسبة الاعلى تفضيلياً لمرشحه في الدائرة، فيشعر الفريق الآخر أنه مجرد جسر لإيصال مقعد نيابي للفريق المتحالف معه، وهذا ينطبق على أكثر من دائرة في بيروت الاولى والشمال، وزحلة والبقاع الغربي وعكار، وكسروان جبيل والشوف، ولن يدخل أيُّ طرف في تحالف ما دام متأكّداً من أنّ اصواته التفضيلية قادرة على الإتيان بمرشحيه.
• ثانياً، هذا الواقع ينطبق أيضاً على القوى المعارضة للتسوية، ففي كسروان مثلاً إذا اقتصر التحالف بين القوى المعارضة للتسوية على حزب الكتائب والنائب فارس سعيد ومستقلّين، وإذا كانت القراءة أنّ هذا التحالف لا يستطيع الخرق بأكثر من مقعد، فهذا الأمر سيكون حكماً على الطاولة بين «الكتائب» وسعيد، لأنّ أيَّ مرشح من جبيل داخل هذه الدائرة ستكون له الأفضلية في الصوت التفضيلي الذي سيُحتَسب على اساس النسبة المئوية، ففوز المرشحين من داخل اللوائح المختلفة سيبدأ تعدادُه من جبيل، والأمر ينطبق على معظم الدوائر التي تضمّ أقضية عدة، كدائرة طرابلس ـ المنية ـ الضنية، التي للقضاءَين الصغيرَين اسبقيّتهما في فوز المرشحين الذين سيتقدّمون على مرشحي طرابلس، علماً أنها خزّان اصوات الدائرة، والأمر ايضاً ينطبق على دائرة الشوف ـ عاليه، وصيدا ـ جزين.
• ثالثاً، هذا الإرباك في التحالفات، تقول عنه الشخصية الناشطة على خط الاتصالات الثلاثية، ناتج عن القانون الذي يجزِّئ المجزّأ، والذي لا يتيح للقوى السياسية أن تنظّم تحالفات طبيعية، فالنزاع على الصوت التفضيلي داخل اللائحة هو اقوى من النزاع مع اللوائح المنافسة، وهذا لا ينطبق على الثنائي الشيعي، الذي يتبيّن يوماً بعد يوم أنه أتى بهذا القانون بعد أن أشبعه درساً، وبعدما ضمن عدم إمكان خرق ساحته، خلافاً لما سيحصل في الساحات الأخرى.
وتكشف الشخصية المتابعة أنّ القوى المشاركة في الحكومة التي وافقت على القانون باتت بعد بدء اختباره عملياً تعتبر أنها ارتكبت خطأً كبيراً، فكثير من هذه القوى ستتحجّم إنتخابياً، أما مَن سيحافظ على كتلته، فسيجد نفسه في المجلس الجديد في مواجهة عملاق نيابي (حزب الله وحلفاؤه) تتحرّك تحت ظلّه كتل صغيرة ونواب منفردون، ويبقى احتمالٌ معقول لولادة مجموعة من الكتل النيابية (بغض النظر عن حجمها) تمثّلها القوى التي عارضت التسوية الرئاسية، وتأمل هذه القوى تأسيسَ نواة تكتل نيابي يحمل مشروع مواجهة نتائج التسوية، خلافاً للقوى التي تشارك في الحكومة وتستعدّ لتجديد التسوية بحكومة جديدة ستؤلّف بعد الانتخابات.