اقتربت ساعة الصفر لاعلان قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمتعلقة بقضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. التوقيت لم يحدد بعد، الا ان جميع الدلائل تشير إلى أن ما تبقى من عمر هذه المحكمة ليس كبيراً. وبعد انتهاء فريق الادعاء من تقديم قضيته بعد عرض 2470 دليلا واستجواب 265 شاهدا في القضية، تنتظر المحكمة أن يقدم فريق الدفاع عرض دفوعه للمتهمين الأربعة الباقين في هذه القضية، بعد استبعاد مصطفى بدر الدين الذي نعاه "حزب الله" في سوريا.
تُطوى اليوم السنة الثالثة عشر على اغتيال الحريري، ومعها تمر السنة التاسعة على انشاء المحكمة الدولية. المتهمون الآن هم أربعة: سليم عياش، حسين حسن عنيسي، أسد حسن صبرا، حسن حبيب مرعي. "محاكمة المتهمين غيابياً هي نقطة قوة لمنع عرقلة سير المحاكمات"، هكذا وصفت رئيسة المحكمة ايفانا هردليشكوفا طريقة سير المحاكمات، خلال اليوم الأول من الندوة الخاصة بالصحافيين التي تقيمها المحكمة في "مدينة العدل" لاهاي، والتي تحضرها "النشرة"، مشيرة إلى أن "اغتيال مصطفى بدر الدين لن يكون عائقاً أمام العدالة".
الحكم اقترب
لم يحمل اليوم الأول من هذه الندوة، والتي امتدت على طول يومين، أي جديد سوى بعض النقاشات حول طريقة عمل المحكمة، مع عرض التجربة الكوسوفية في المحاكم الدولية. أما اليوم الثاني، فقد شهد مداخلة من فريق الدفاع عن المتهمين.
"في 20 و21 شباط ستتم المرافعة عن بعض المتهمين في القضية"، هذا ما أعلنه محامي الدفاع عن حسن حبيب محمد عويني، سارداً تفاصيل هذه المحاكمة بحق المتهمين منذ صدور القرار الاتهامي في العام 2011 والاعلان عن المتهمين، حتى التأكد من هروب المتهمين من وجه العدالة وصولاً إلى السابع من شباط الجاري حيث انتهى المدعي العام من تقديم حججه".
وأوضح عويني أن "في الجلسة المقبلة سنقدم عريضة البراءة عن أحد المتهمين، وهي عبارة عن نقض البراهين التي أبرزها الادعاء العام"، لافتاً إلى أن "هذه المرافعة وتقديم العريضة قد تدفع المدعي العام الى الاستئناف"، مضيفاً "فصل المتهمين ووكلاء الدفاع سببه استراتيجية نتبعها للدفاع".
وأشار عويني إلى أن "نظرية الادعاء مرتكزة على "داتا" الاتصالات وهي حجة ظرفية ولا بد من تدعيم هذه الحجج كما اننا نرى ان هناك غموض في حجج الادعاء".
بدوره، أكد وكيل الدفاع عن المتهم سليم عياش، إميل عون، أن "من واجبي البحث في الملف لنرى ان كانت الحجج كافية لتجريم أي شخص"، مشيراً إلى أن "المساواة والعدالة في هذه المحكمة تظهر باعطاء الدفاع والادعاء نفس السلاح القانوني للدفاع عن وجهات النظر"، معرباً عن "تحفظه من طريقة المحاكمة غيابياً، ففي بريطانيا مثلاً نادراً ما تتم المحاكمات غيابياً نظراً لغياب صاحب العلاقة الأساسي".
ولفت عون إلى أن "وظيفتنا هي تمثيل مصالح وحقوق المتهمين الغائبين"، موضحاً أن "هناك بعض الطلبات كانت سهلة والاخرى كانت صعبة بسبب الذهنية وليس لاي سبب آخر، ونحن هنا نفرّق بين العمل القانوني والعمل السياسي وأنا أبحث عن حقوق المتهمين فقط".
تعويضات للمتضررين؟
أكثر من 22 ضحية سقطوا خلال الانفجار الذي حصل في منطقة السان جورج حيث اغتيل الحريري، وعشرات الأشخاص أصيبوا باصابات مختلفة في الانفجار، إضافة للأضرار المادية التي ضربت المواطنين.
في هذا السياق، أشار الممثل القانوني للمتضررين من الانفجار 14 شباط من العام 2005 بيتر هاينز، إلى أن "المحكمة لا تعطي تعويضات ماليّة لكن الحكم الذي يسجّل الأضرار التي تعرضوا لها يمكن استخدامه في محاكم مدنيّة للحصول على تعويض من المتهمين أو من أي منظمة كانت وراء هذا الاعتداء".
ولفت إلى "اننا نقدم معلوماتنا لمساعدة الادعاء لكن لا نقدم أدلّة تكشف عن هويّة المتهمين وادانتهم وبالتالي سأشعر بإهانة ان اعتبرني أحد أنني مُدَّعٍ عام ثانٍ في القضية"، موضحاً "اننا ركزنا في قضيتنا على حقوق المتضررين ولا نسعى لدعم نظرية الادعاء".
هل أعاق بدر الدين المحكمة؟
آخر المحطات التي شهدها اللقاء، وهي أهم محطة، هو اللقاء مع رئيسة المحكمة الدولية ايفانا هردليشكوفا، المدعي العام نورمن فاريل، نائبة رئيس مكتب الدفاع هيلين اونياك، ورئيس قلم المحكمة داريل مونديس.
بداية، أكدت رئيسة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ايفانا هردليشكوفا أن "وفاة مصطفى بدر الدين شكلت تحدّيات للمحكمة"، لافتة إلى أنها "ليست المرة الأولى في المحاكمات الدولية التي يموت فيها أحد المتهمين"، ساردة تاريخ المحكمة منذ انطلاقتها حتى اليوم وكيفية نشوئها.
كما كررت تأكيدها أهمية الأحكام الغيابية، لافتة إلى أن "نجاح المحكمة يكمن في الأحكام الغيابية تجاه المتّهمين"، مشددة على أنه "علينا الانتهاء من المحاكمة الحالية لتحقيق العدالة للشعب اللبناني ونحن ننقل اليوم إرثنا إليه"، مضيفة "أفهم أن الجميع ينتظر الحكم النهائي والآن ستعود الأمور للوكلاء الدفاع ان كانوا سيعرضون شيئاً خاصاً بهم ومن بعدها تصدر غرفة الدرجة الأولى بالمحكمة قرارها، ومن ثم يعطي القضاة حكمهم، لذا لا يمكننا إعطاء وقت محدد".
بدوره، أعلن رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الدولية فرنسوا رو، خلال مشاركته عبر شاشة متلفزة من بيروت، "انني سأترك مهامي في 28 شباط الجاري"، لافتاً إلى "انني لست أنا من اتخذ هذا القرار، بل المحكمة قرّرته وهذا الأمر ليس بسبب اهمالٍ في العمل بل لاسباب إدارية".
على صعيد موازنة المحكمة، أوضح رئيس قلمها داريل مونديس أن "الميزانية هذا العام بلغت 58,1 مليون يورو وانخفضت عن العام الماضي بنسبة واحد بالمئة وفي السنوات المقبلة ستنخفض أيضاً"، لافتاً إلى ان "لبنان يدفع 49 بالمئة من هذا المبلغ و51 بالمئة تدفعه 27 دولة مانحة بشكل طوعي".
حزب الله مسؤول؟
في اللقاء أيضا، أعلن المدعي العام في المحكمة نورمن فاريل "اننا انتهينا من الادعاء والكرة الآن في ملعب الدفاع"، موضحاً أن "الهواتف المسؤولة عن عملية الاغتيال كانت بحوزة مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسن مرعي"، مؤكداً "اننا لا نحاكم أحزاب سياسية بل أشخاصا معنويين".
وكشف فاريل أن "الادعاء العام قدّم 281 شاهداً أمام المحكمة تضمّنوا خبراء مستقلّين والكثير منهم من لبنان كما عرضنا 2471 مستنداً يظهر ارتباط المتّهمين بالجريمة"، وشرح قائلاً "ارتكزنا في عملنا على داتا الاتصالات، والشبكة الأهم، هي المؤلفة من 18 هاتفاً واكتشفنا أن المسؤول عنها 3 أشخاص هم بدر الدين وعيّاش ومرعي وكانت بأسماء مزوّرة. والمدّة الطويلة التي اتّخذتها المحاكمات سببها البحث عن هدف استخدام الهواتف".
وعن الوصول إلى مرحلة الدفاع، أوضح فاريل أن "الدفاع سيقدم العديد من الحجج وأنا ملتزم بنظرية الادعاء التي قدمتها"، موضحاً أن "عمليات الاغتيال الأخرى ليست ضمن مسؤوليتنا ولكن اذا اتضح للمحكمة وجود ارتباط بين هذه الاغتيالات واغتيال الحريري فبالطبع ستربط ببعضها".
وأضاف "من نفذ العملية مجموعة من الأشخاص بدأت في أيلول 2004 واستخدمت أدوات سريّة وتقنيات محدّدة تهدف الى إبقاء الاعمال بشكل سرّي، وكانت مدرّبة بشكل كبير لتنفيذ هذه العمليات. واغتيال بدر الدين والمعلومات التي انكشفت عنه دليل على أنه شخص ضليع أمنياً وعسكريا، ما يقوّي وجهة نظرنا كادّعاء بأنه كان المسؤول عن عملية الاغتيال".
وفي قضية اغتيال الضابط وسام عيد (وهو الذي كما يشاع أنه المسؤول عن البحث عن داتا الاتصالات)، أوضح أن "هذه العملية تقع ضمن صلاحيات السلطات اللبنانية وليس لدى مكتب الادعاء صلاحيّة التحقيق في هذه القضية"، مشدّداً على "انني لا اتهم حزب الله أو أي تنظيم آخر لكن سأعمل بكل جهدي لأسلّم الأشخاص الأربعة إلى العدالة الدولية".
بغضّ النظر عن الاتهامات التي توجه إلى المحكمة الدولية باستمرار، الا أنه وعلى مدى تسعة أعوام لم تأتِ بأي قرار في هذه القضية. قد تتطلّب عمليّة المحاكمة وقتاً طويلاً، لكن هل اليوم بات المهم هو معرفة القاتل الحقيقي للحريري؟ أم أنّ الهدف باتَ تجريم حزب الله وتعليق وصمة العار على جبينه على طول السنوات المقبلة في حال صدر القرار باتهام قياديين في الحزب باغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق؟ أم أن "ربط النزاع" بين رئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيسرّع عمل المحكمة وإصدار القرار للانتهاء من هذا الملف؟.