بضربة واحدة، وبثأر مزدوج، انتقمت موسكو لواقعة إسقاط طائرتها فوق إدلب على أيدي مرتزقة واشنطن، وثأرت دمشق سريعاً لاستشهاد أكثر من 100 مقاتل من القوات الرديفة بغارات التحالف الأميركي في دير الزور يوم الثامن من الجاري، في ذروة الاستفزازات والتهديدات التي ساقتها واشنطن ضد دمشق وموسكو، والتي مهّدت لاقتراب شنّ ضربات ضد أهداف سورية بصواريخ توماهوك، حسب ما كشفت تقارير صحافية أميركية، لتبادر دمشق في توقيت ومكان مناسبين إلى الردّ على غارات وصواريخ "إسرائيلية" باغتت فجر العاشر من الجاري، بتسديدة "ذهبية" في المرمى "الإسرائيلي" فاجأت المراقبين الدوليين، ليس فقط عبر إسقاط إحدى "درة تاج" طيرانها الحربي الجوي "أف16"، إنما أيضاً عبر اعتراض الصواريخ الاعتراضية السورية لصواريخ أرض – أرض "الإسرائيلية"، وبالتالي فشل منظومة قبتها الحديدية، التي لم تستطع ردع وصول الصواريخ السورية إلى وسط فلسطين المحتلة، ما أجبر أكثر من مليون"إسرائيلي"على الهروع إلى الملاجئ وإغلاق مطار بن غوريون، وسط إطلاق صافرات الإنذار في كل المستوطنات الحدودية مع لبنان وسورية، والتي حدت بهروب الآلاف من مستوطنيها بشكل جماعي.
الضربات السورية الموجعة التي تُوِّجت يوم العاشر من الجاري ومازالت ارتداداتها تهز الأروقة الأمنية والإستخبارية "الإسرائيلية" حتى الآن، والتي مثّلت رسالة نارية غير مسبوقة من محور المقاومة "إلى من يعنيهم الأمر"، أتت بعد أقل من يومين على الضربة الأميركية التي قتلت ما لا يقل عن 100 مقاتل من القوات الرديفة للجيش السوري في دير الزور، بحجة مهاجمتها لحلفائها الانفصاليين الأكراد شرق الفرات، والتي أبرزت أولى مؤشرات المخطط الأميركي لتقسيم سورية، عبر إنشاء كانتون كردي "كامل المواصفات" في الشمال السوري، مع التذكير بـ"جيش" الثلاثين ألف مرتزق الذي أعلن عنه تحالف واشنطن الشهر الماضي بقيادة "قسد"، وحيث تزامنت تلك الضربة مع تواتر تقاريرغربية كان آخرها لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، كشفت فيه أن وزارة الدفاع الأميركية تستعدّ لشن ضربات ضد أهداف سورية، عبر صواريخ توماهوك..أرادت دمشق من خلال ردّها الناري على "إسرائيل" يوم العاشر من الجاري، إبلاغ واشنطن وتل أبيب أن التهديد الأميركي للجيش السوري سيقابله تهديد لكامل "إسرائيل".. أمر أكّدته سريعاً صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إذ كشفت أن "الجيش السوري سيردّ على أي ضربات أميركية ضد سورية، بضرب عمق إسرائيل بصواريخ سكود عابرة للحدود".
ورغم تنصُّل موسكو من تدخُّل دفاعاتها الجوية في واقعة إسقاط طائرة الـ"أف 16" الإسرائيلية، إلا أنه لا يمكن فصلها عن واقعة إسقاط طائرة الـ"سو 25" الروسية فوق إدلب على أيدي مقاتلي "جبهة النصرة" بصاروخ "ستينغر" الإميركي، حيث توصّلت مصادر في وزارة الدفاع الروسية إلى أن صاروخاً متطوراً مضاداً للطائرات سلّمته واشنطن أو تل أبيب إلى "جبهة النصرة" المدعومة "إسرائيلياً" بشكل كبير، أسقط الطائرة الروسية.. وعليه، تحيّنت موسكو الفرصة للانتقام من الطرفين على حد سواء، فكان لا بد من "تأديب" تل أبيب على خلفية استفزازاتها الخطيرة والمتواصلة التي تهدد إنجازات روسيا العسكرية بأكملها في سورية، خصوصاً أن الغارات"الإسرائيلية" الأخيرة استهدفت مطار "تيفور T4" في تدمر بحجة انطلاق طائرة إيرانية مسيَّرة من قاعدتها في المطار المذكور، رغم علم تل أبيب بوجود قوات روسية بقربها، كما أن الرئيس فلاديمير بوتين كرّر على مسمع بنيامين نتياهو؛ رئيس الوزراء "الإسرائيلي"، خلال لقائهما الأخير في موسكو، أن الغارات "الإسرائيلية" ضد الجيش السوري تهدد موسكو، نظراً إلى وجود مستشارين عسكريين روس إلى جانب القوات السورية في كثير من النقاط العسكرية، خصوصاً بطاريات الدفاع الجوي السوري.. وليأتي الانتقام الروسي من واشنطن، عبر تحطيم "هيبة" طائرة الـ"أف 16" وتفوّقها الجوي، وسط جنوح بعض الخبراء"الإسرائيليين" إلى ترجيح أن يكون صاروخ "أس 300" هو من تكفّل بإسقاط الطائرة "الإسرائيلية".
وهكذا تكون روسيا قد وجّهت إلى غريمها الأميركي رسالة مفادها: "إسقاط طائرة روسية بصاروخ أميركي، مقابله إسقاط طائرة أميركية بصاروخ روسي.. ونقطة على السطر".
بناء على ما تقدّم، أصبحت "إسرائيل" بمواجهة معضلة حقيقية هي الأولى من نوعها، فهي مضطرة منذ الآن وصاعداً أن تحسب ألف حساب قبل المغامرة مرة أخرى بشن ضربات ضد أي هدف عسكري سوري، فقد تنحو الأمور إلى تدحرج خطير في الرد المضاد قد تفضي نتائجه حينئذ إلى تهديد وجودي لهذا الكيان، ربطاً بحتمية الرد الجماعي أي من كافة أضلع محور المقاومة، وهذا ما فهمته "إسرائيل"جيداً، وفي نفس الوقت لن "تبلع" تل أبيب التشويه الذي هدد "سمعة وكرامة" تفوُّقها الجوي الذي تعرض للذل على أيدي دمشق وحلفائها.. ولذا قد تلجأ إلى إعلاء وتيرة تهديد العاصمة دمشق لزيادة الضغط على الرئيس بشار الأسد، عبر تحريك الجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية، والتي لم يكن استهدافها لأحياء العاصمة في الأيام الأخيرة، والذي حصد عشرات الشهداء من قاطنيها، بريئاً في "توقيت" التهديدات الأميركية لسورية.
وهنا لا يمكن إغفال الدور"الإسرائيلي" التقني في تحديد اتجاه الأنفاق التي حفرها المسلحون في الغوطة الشرقية بتمويل سعودي- قطري منذ بداية الأحداث السورية، وتجنيد ما يقارب 25 ألف مرتزق في معاقلها المحصنة.
تدرك القيادة العسكرية السورية أن عملية تحرير الغوطة الشرقية ليست سهلة، نظراً للأنفاق التي يتحصّن فيها الإرهابيون، والتي يصل عمق بعضها إلى 15 متراً؛ كما في جوبر وحدها، كما أن الاستعانة بالقنابل الذكية الروسية القادرة على تدمير تلك الأنفاق، قد تعرض حياة آلاف المدنيين للخطر.. رغم ذلك، تتحدث تقارير صحفية، استناداً إلى تأكيد مصدر في غرفة عمليات حلفاء الجيش السوري، عن مفاجأة عسكرية جهّزتها دمشق لتطهير الغوطة الشرقية "بأقل الخسائر البشرية"، ألحقت بتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، كشفت فيه أن "العملية باتت وشيكة".
وعليه، ليس من المستبعَد بروز مفاجآت عسكرية سورية وإقليمية مقبلة تصبّ في مصلحة دمشق، إحداها على جبهة عفرين، فثمة معطيات رجحت ضربات خطيرة ضد القوات التركية بصواريخ أميركية تفوق أهميتها صواريخ "هيل فاير" التي زوّدها الأميركيون لحلفائهم الأكراد، يدفع أنقرة إلى ردّ غير متوقَّع باتجاه واشنطن، على وقع حدث سعودي "غير مسبوق" قد يخرق المرحلة المقبلة، يهزّ عرش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حسب ما نقل أحد محرري صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصدر وصفه بـ"الموثوق" في العاصمة السعودية.