أمام لبنان الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلعبها في مواجهة الأطماع الإسرائيلية في مياهه، لكنه لا يزال يأمل بوساطة أميركية تثبت حقه في الاستفادة من موارده الطبيعية. إحدى أهم الأوراق التي نوقشت في مجلس النواب أمس، هي العودة إلى حدود عام 1923 لا إلى حدود الهدنة في عام 1949. ذلك ينقل الصراع من مطالبة العدو الإسرائيلي بـ 860 كلم من المياه اللبنانية إلى مطالبة لبنان بـ 1500 كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة.
بدا البلد، أمس، موحداً حول موضوع واحد: الحدود اللبنانية الفلسطينية. وزير الخارجية الأميركية ريك تيلرسون في بيروت للمرة الأولى، حاملاً «هم» إيجاد حل للصراع الحدودي، طبعاً إلى جانب الهم الأميركي الدائم المتمثل في مواجهة «إرهاب» حزب الله. في المقابل، كان الرؤساء الثلاثة، ومن خلفهم مجلس الوزراء، ثابتون على موقفهم الرافض للتخلي عن أي شبر من حق لبنان.
وكقوة دعم خلفية، انضم مجلس النواب أيضاً إلى حملة مواجهة الأطماع الإسرائيلية، فأكملت لجنة الأشغال العامة ما بدأته الأسبوع الماضي، بالتلميح إلى احتمال تقديم اقتراح قانون لترسيم الحدود يخلص إلى تأكيد حق لبنان بمنطقة اقتصادية خالصة تفوق مساحتها بأضعاف مساحة الـ 860 كلم مربعاً التي تدعي إسرائيل ملكيتها.
بالرغم من توقيع لبنان وإسرائيل على خط الهدنة في عام 1949، وترسيم الحدود على أساسه، إلا أن إسرائيل عادت وتراجعت عن توقيعها، معتبرة أن خط الانسحاب في عام 2000 (الخط الأزرق) هو الحدود الفعلية، ساعية بذلك إلى قضم أراض لبنانية شاسعة في البر، وكذلك مساحة شاسعة في البحر تصل إلى 860 كلم مربعاً.
وفيما ساهم احتمال وجود نفط في شرق المتوسط بتدخل أميركا لحل الخلاف الحدودي، إلا أن النتيجة كانت في حدها الأقصى الإقرار بحق لبنان بأقل من 600 كلم مربع من أصل 860 كلم2، بحسب رسالة كان قد أرسلها السفير أنطوان شديد في عام 2013 إلى الحكومة اللبنانية. لكن لبنان كان واضحاً في تمسكه بحقه كاملاً، قبل أن يعود الموفدون الذين جاؤوا بعد فريديريك هوف إلى التراجع عن هذا الحد أكثر من 150 كلم مربعاً.
خلال فترة الانتخابات الأميركية والعام الأول من ولاية ترامب، تراجعت الوساطة الأميركية، وبقيت كذلك إلى أن وقّع لبنان اتفاقية التنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية. عندها عاد الأميركيون بقوة إلى السعي لحل الخلاف الحدودي، لكن تبين في اللقاءات التي عقدها مساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد ساترفيلد في بيروت أن واشطن لا تملك مبادرة فعلية، بقدر ما تسعى إلى الضغط على لبنان للموافقة على اقتراحات تصب في مصلحة إسرائيل، وهو ما تبدّى أيضاً في زيارة تيلرسون.
عندها، كان لا بد من السعي إلى المواجهة. سحبت بعض الدراسات القانونية من الأدراج، وطرحت أمس على طاولة لجنة الأشغال العامة. الهدف، كما قال رئيس اللجنة محمد قباني لـ«الأخبار»، دعم الحكومة في سعيها لتثبيت حقوق لبنان. نقطة ارتكاز الدراسة أن الحدود البحرية اللبنانية مبنية على أساس ترسيم الحدود البرية وفقاً لخط الهدنة في عام 1949، فيما يفترض في ظل وجود حدود دولية مرسمة في عام 1923، ومسجلة في عصبة الأمم، العودة إليها لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة. وعليه، فإن التأكيد على الترسيم التاريخي للحدود يؤدي عملياً إلى تغيير مكان النقطة B1 على الساحل اللبناني جنوباً بطول 1800 متر. وهذا يقود تلقائياً إلى تغيير الحدود البحرية، بما يزيد حصة لبنان في البحر نحو 1500 كلم مربع لا 860 كلم مربعاً فقط.
هل يمكن أن تتحول هذه الدراسة إلى موقف لبناني رسمي؟ لم يحسم الأمر بعد، لكن طُلب من أعضاء لجنة الأشغال العودة إلى كتلهم لتبيان مواقفها من تقديم اقتراح قانون يعيد ترسيم الحدود الجنوبية وفقاً للمعطيات السابقة، وإلزام الحكومة بترسيم الحدود على أساسه.
هكذا خطوة إن حصلت يمكنها أن تساهم في نقل المعركة من داخل المياه الإقليمية اللبنانية إلى داخل المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة. في كلتا الحالتين، تدرك كل الأطراف المعنية أن الضغط الحالي الذي تمارسه إسرائيل عبر أميركا لن يساهم في عرقلة انطلاقة أعمال الاستكشاف في البحر اللبناني، أولاً لأن الشركات ستحفر بئرين على حدود البلوك رقم 9 لناحية العمق اللبناني، وثانياً لأن هذا البلوك، بحسب خط فريدريك هوف، يقع في المياه اللبنانية بالكامل، فيما توجد مشكلة بسيطة في البلوك الرقم 10 المحاذي للساحل اللبناني الجنوبي.