إحتفل رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر بالقدّاس الإلهي في عيد سيدة لورد في الكنيسة سيدة لورد في عين الرمانة. بعد الإنجيل المقدَّس لفت المطران مطر الى ان هذا العيد مرتبط بظهورات العذراء مريم في لورد منذ سنة 1854، وظهرت العذراء مريم على فتاةٍ صغيرة غير متعلّمة راعيّة غنم اسمها برناديت في تلك المغارة في منطقة لورد جنوب فرنس والتي صارت مشهورة في كل العالم.وبعد ظهوراتٍ عديدة، سألت الطفلة النور المتلألئ حول السيدة: مَنْ أنتِ؟ فأجابتها مريم: أنا التي حُبِلَ بها بلا دنس. ولم تكن هذه الكلمة معروفة في تلك الأيام بل كانت تُبحَثُ بسريَّةٍ تامَّة في دوائر الكنيسة المختصَّة بالعقائد، ومن الطبيعي ألَّا تفهم هذه الفتاة ماذا تعني هذه الكلمة، بل أخبرت الكاهن ثم الأسقف بما جرى وبما سمعت. وبعد ذلك، شاور قداسة البابا السُّلطات المسيحيَّة في العالم أجمع حول إمكانيَّة إعلان عقيدة مفادُها أنَّ مريم العذراء قد حُبلَ بها بلا دنس، والجميل في الأمر أنَّ أحدًا لم يعترض وأُعلنت العقيدة وحُدِّدَ العيد وهذا لا يعني أنها لم تولد من أبيها وأُمها. العذراء وُلدت مثلنا. ولكن نحن نولد وفينا جرح من خطيئة آدم أبينا وبإرادتنا، نُشفى منه بالعماد المقدّس إذ تتجدّد فينا حياة الله. العذراء مريم التي وُلدت من أبيها وأمها عصمها الربّ عن هذا الجرح قبل أن تُولد. فوُلدت مليئة نعمة لا عيب فيها ولا دنس ولا جرح. والجميل في هذه العقيدة، يا إخوتي، أن قداسة البابا سأل العالم المسيحي بأسره، هل تقبلون هذه العقيدة؟ قالوا نعم.
تثبيتًا لهذه العقيدة رجعت الكنيسة إلى مار افرام السرياني وهو كنَّارة الروح القدس، وقد ألَّف آلاف الأناشيد ومنها الكثير لأمّنا العذراء مُثبتًا في كلامه أنَّ السيدَ المسيح وأمَّه مريم لا عيب فيهما. كما عادت الكنيسة إلى كلام الملاك جبرائيل الذي بشَّر مريم العذراء بالحبل الإلهي قائلًا لها: السلام عليكِ يا مريم يا ممتلئةً من النعمة. فالممتلئة من النعمة لا دنسَ فيها ولا خطأ ولا خطيئة لا أصليَّة ولا فعليَّة، ممَّا يعني أنَّ مريم بريئة من دنس الخطيئة الأصليَّة، وهذه النعمة الخاصَّة لمريم لم تُعطَ لأيّ إنسانٍ آخر، وبناءً على كل هذا حدَّدت الكنيسة عقيدة الحبل بمريم بلا دنس.
وهكذا بدأت العجائب، فظهرت مريم المحبّة لأبنائها جميعًا، لكل بني البشر من دون تمييز. الذين يذهبون إلى لورد اليوم صاروا يُعّدون بالملايين كل سنة. أنا أتخشّع أمام المغارة كلما ذهبت إلى لورد. أذهب بعد منتصف الليل أُصلّي أمام المغارة، وأطلب شفاعة العذراء أُم الرحمة وكنز الرحمة والمعونة. وقال قداسة البابا فرنسيس للمسيحيين، يجب أن تكونوا أهل رحمة كلّكم. كونوا رحومين كما أن أباكم السماوي هو رحوم، قال لنا الربّ يسوع المسيح. الذي ليس لديه رحمة ليس بمسيحيٍ. لتحرّك العذراء مريم الرحمة فينا ومحبّة الجميع للجميع.
ما زلت أذكر عندما كنت تلميذًا في المدرسة الإكليريكيّة الصغرى، عام 1954، أُقيم يوبيل مئة سنة على ظهورات العذراء وكان في لبنان عرس عظيم وبُنيَت هذه الكنيسة في عين الرمانة على اسم سيدة لورد. ويوم جيء بتمثالٍ خشبيٍّ رائع الجمال للسيدة العذراء، نظَّم مرشد الأخويات يومذاك الخوري جورج أبو جودة جولةً بهذا التمثال على جميع الأراضي اللبنانيَّة، وأُقيم إلى جانب هذه الكنيسة احتفالٌ بالقداس الإلهي ترأسه الكاردينال رونكاللي الذي صار البابا يوحنّا الثالث والعشرين. وقد غصَّت الساحات بالمؤمنين، تقدّمهم المرحوم الرئيس كميل شمعون والمرحوم سعيد عقل قال يومها للعذراء مريم: من كلّ صخر لم يعد أبكم حييّت يا مريم. ولهذا السبب كانت كنيسة سيدة لورد في عين الرمانة، إحياءً لذكرى مرور مئة عام على ظهورات العذراء. هذه الكنيسة تدخل في تاريخ العذراء وتاريخ ظهوراتها. هذه الكنيسة لها قدسيتها ولها عاطفة كبيرة تجاهها، نتمنّى أن تبقى وتستمر. إنها كنيسة سيدة لورد، كنيسة العجائب، كنيسة المحبّة والرحمة. إبقوا العذراء في بيوتكم بأقونيتها وسبحتها. ويكفي أن نذكر اسمها، حتى نسمع كلامها يقول لنا: أحبّوا بعضكم وسامحوا بعضكم وساعدوا بعضكم. أبناء العذراء يجب أن يكون فيهم شيء منها.
نرفع صلاتنا في هذا العيد على نيّة وطننا ليكون وطن التفاهم والسلام، وعلى نيّة كل الشرق حتى ينعم بالسلام والتوافق بين أبنائه جميعًا.
هنيئًا لكم هذا العيد، ونحن نطلب من الله بشفاعتها أن يُدخل الرحمة إلى قلوبنا وأن نكون من أهل الصلاة المستمرة. الذي يقترب من الله يقترب من الناس. والذي يبتعد عن الربّ يبتعد عن الناس. بارككم الله وثبَّت إيمانكم وحمى عائلاتكم وقوَّى شيوخكم وسهر على شبابكم بشفاعة أمّنا مريم العذراء التي جعلها المسيح من على صليبه أمًّا لنا بشخص يوحنا الرسول حين قال المسيح: يا يوحنا، هذه أمّك ويا مريم هذا ابنُكِ. ومن يومها ننادي مريم: يا أمَّنا يا أمَّنا.