منذ سنوات وشريحة كبيرة من اللبنانيين تردد ان قوة لبنان في قوته وليست في ضعفه، وهذه المقولة ارتبطت بحزب الله ومقاومته لاسرائيل على مدى سنوات طويلة. ومع مرور الوقت، بقيت هذه المقولة حاضرة على لسان مسؤولين لبنانيين، ولكنها بعد كلام الامين العام لحزب الله الاخير، اخذت وهجها وترسخت في اذهان الناس ان قوة لبنان هي في حزب الله.
في الواقع، هذا القول هو حقيقة، ولكنه ليس كل الحقيقة. ففي حين ان الحزب فرض معادلة توازن الرعب مع اسرائيل، واثبت بالقول والفعل انه قادر على الوصول الى الداخل الاسرائيلي، وبات يملك ثقة بالنفس خوّلت امينه العام يجزم بأنه يمكن للحزب، اذا طلب لبنان الرسمي منه ذلك، ان يوقف العمل باستخراج النفط للاسرائيليين في المياه التي يسيطرون عليها.
ولعل ابرز ما قاله ايضاً يكمن في انه يمكن للمسؤولين الرسميين اللبنانيين ان يستعملوا ورقة الحزب لعدم تقديم تنازلات عن الحقوق. اختصاراً لهذه المواقف، لا شك ان قوة الحزب تكمن في صواريخه وفي قدرته على التصدي لاي عدوان بري او بحري، واليوم بات بامكانه ايضاً تشكيل خطر على الطائرات الاسرائيلية، وهو ما لا يمكن للجيش اللبناني القيام به لعدم امتلاكه هذا النوع من الاسلحة. ولكن، لا بد من التنويه والتذكير بأن حزب الله لا يفوّت فرصة من اجل الحفاظ على الوحدة اللبنانية، وهو يعمل على اكثر من خط لتجنب المواجهات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن ذكر جهوده ودعواته لتجنب اي احتكاك سنّي-شيعي، او شيعي-مسيحي، او محاولات رأب الصدع بين فاعليات وقوى متحالفة معه. ولعل كل هذا الجهد يدل على قوة ثانية لا يجب التفريط بها، ويدركها الحزب جيداً، وهي قوة الوحدة والتضامن اللبناني، على الاقل في ما خص المواضيع الاستراتيجية الاساسية كالصراع مع اسرائيل، لان اي تشقق او تصدع في الجبهة اللبنانية خلال هذا الصراع ستكون نتائجه وعواقبه وخيمة. ففي العام 2006، لو عملت تيارات اساسية ضد الحزب في الداخل على الصعيد الميداني، لكانت النتيجة مغايرة، وبغض النظر عن المواقف المتباعدة بين الافرقاء الرئيسية في لبنان، الا انه على الارض لم يكن هناك من مجال لاي ردّ فعل، ومن نافل القول ان اسرائيل ساهمت ايضاً من خلال بشاعة مجازرها، في عدم تفكير اي طرف لبناني في التظاهر ضد الحزب، لان الامر كان سيعتبر خيانة وطنية وانسانية على حد سواء.
وهناك قوة ثالثة لا يجب الاستهانة بها، وهي الدبلوماسية التي اثبتت فعلها خلال ازمة احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية، حيث ادى التحرك اللبناني الى إفاقة المجتمع الدولي من سباته. طبعاً لن نخرج عن الواقع وندعي بأن الدبلوماسية اللبنانية قادرة على فرض مواقفها وآرائها على الدول، انما من المنصف ايضاً القول ان نداءاتها لقيت آذاناً صاغية فعلت فعلها في نهاية المطاف.
ومن المهم ايضاً الاشارة الى ان قوة الاجهزة الامنية والجيش الكفيلان بقمع اي محاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي، يعتبران عموداً اساسياً ايضاً في بنيان القوة اللبنانية وتأمين الموقف اللبناني، وهو امر بالغ الاهمية لان التفريط بهذا الامر يجعل اللبنانيين عرضة للموافقة على اي اقتراح او عرض يصلهم من الخارج، من اجل العودة الى الاستقرار، وهي الورقة التي غالباً ما كانت تلعبها دول خارجية مع لبنان للضغط عليه.
قوة اخرى لا يجب اغفالها، وهي اساسية ايضاً في تقوية الموقف اللبناني ولو انه غير معني بها، وهي ضعف الدول العربية المؤثّرة على لبنان، بحيث ان تدخل دول كثيرة في الوضع اللبناني من شأنه ان يزيد الامور تأزيماً وتعقيداً، فيما التخفيف من هذا التدخل ينعكس ايجاباً على لبنان.
ليس الامر متعلقاً بقوة واحدة للبنان، فزعزعة اي من المواضيع الاخرى التي تعتبر نقاط قوّة لبنانية، كفيلة بهزّ اساسات البناء بأكمله وتعيد قوّة لبنان الى... ضعف.