يتجه مجلس الوزراء إلى استعادة النقاش باستئجار المعامل العائمة قريباً. لكن هذه المرة، تشير المعطيات إلى أن بوابة النقاش ستكون الاتفاق الرضائي. وفيما صار معروفاً أن قيمة العقد تصل إلى 1.8 مليار دولار، تشير الأرقام الواقعية إلى أن هذا السعر يزيد على سعر شراء البواخر بـ800 مليون دولار، فهل تتحقق المصلحة العامة بخفض قيمة العقد؟
كرر وزير الطاقة سيزار أبي خليل، في مقابلة تلفزيونية أمس، ما سبق أن أعلنه مراراً: نريد كهرباء بشكل طارئ ومستعجل، إلى حين الانتهاء من المعامل المقرر إنشاؤها، وأبرزها معملا سلعاتا والزهراني، اللذان بدأ إعداد دفتر الشروط لإعلان مناقصة دولية بشأنهما. وأكد أن الحلول تقف على بعد قرار واحد يصدره مجلس الوزراء. لا يتحدث عن خيار البواخر بوصفه الخيار الوحيد، لكن التشديد على ضرورة الوصول إلى نتائج سريعة يعني ببساطة أن لا خيار سوى البواخر.
كيف يمكن إحياء هذا الخيار؟
عملياً، لم يعد ممكناً السير بالمناقصة الحالية، بعد الإشكالات التي واجهتها، وأبرزها دفتر الشروط الذي لا يضمن المنافسة العادلة، وردّ لجنة التلزيم لها مرتين بسبب بقاء عارض وحيد. وهذا يعني أنه في حال إصرار السلطة على خيار البواخر، سيكون عليها السير بالاتفاق بالتراضي. وهذا الخيار يبدو جدياً بالنظر إلى المعطيات الراهنة، ولا سيما بعد تهديد رئيس الجمهورية باللجوء إلى التصويت لحسم ملف الكهرباء. بالنسبة إلى وزير مطّلع على الملف، لم يعد جائزاً التعامل مع ملف الكهرباء من دون النظر إليه بوصفه مدخلاً لإصلاح الوضع المالي ولتأمين الطاقة للمواطنين.
لكن، هل يمكن التصويت في مجلس الوزراء على ملف خلافي كالكهرباء؟ وماذا سيكون موقف وزراء حركة أمل الذين تمسكوا بضرورة مرور المناقصة عبر إدارة المناقصات؟ وهل يمكن تأمين الاعتمادات اللازمة للسير بالعقد، إذا أقر مجلس الوزراء الملف؟
بعد الاتهامات التي رافقت دفتر الشروط، يرى مصدر متابع للمناقصة أن تخطيها واللجوء إلى اتفاق بالتراضي يشكل فضيحة، ويؤكد كل ما كان يقال عن سعي لتفصيل دفتر شروط المناقصة على قياس عارض وحيد. ويقول: «لا يعقل أن تتحول المناقصات إلى ممر لتمرير صفقات. كذلك لا يعقل أن يؤخذ برأي إدارة المناقصات إذا كان يناسبنا وأن يتم تخطيه إذا لم يناسبنا».
يوضح خبير في القانون الإداري أن مجلس الوزراء ملزم إذا سار في خيار التلزيم بالتراضي بتعليل قراره، خاصة أن المادة 147 من قانون المحاسبة العمومية تحدد شروط عقد الاتفاقات بالتراضي، وهي شروط لا تسري مباشرة على حالة البواخر، وإن كان يتوقع إدراجها في إطار الفقرة 12 من تلك المادة (اللوازم والأشغال والخدمات التي يقرر مجلس الوزراء تأمينها بالتراضي بناءً على اقتراح الوزير المختص). وفيما الشروط الأخرى تبدو محصورة كأن ينفذ الاتفاق لضرورات أمنية أو بسبب الحصرية. فإن تلك الفقرة تعطي مجلس الوزراء حق تقدير المصلحة العامة. لكن في مطلق الأحوال، لا تعطيه حق توقيع العقد من دون تعليل. وهذا ما يؤكده قانون حق الوصول إلى المعلومات في المادة 11 منه (تعليل القرارات الإدارية غير التنظيمية خطياً تحت طائلة الإبطال).
ويسأل وزير مقتنع بأن الطريق صارت معبدة أمام الاتفاق بالتراضي، هل بالإمكان اعتماد الشفافية في هذه الصفقة، كتعويض عن كل المسار الخاطئ الذي سار فيه مجلس الوزراء في ما يتعلق باستقدام بواخر الطاقة؟ وهذا يعني بالنسبة إلى الوزير أن المطلوب التفاوض مع الشركة التركية لتحصيل العرض الأفضل.
العقد المفترض توقيعه مع الشركة سُرِّب منذ مدة وقيمته تصل إلى سعر 1.87 مليار دولار خلال خمس سنوات. وهذا الرقم هو حاصل سعر 58 دولاراً للميغاواط/ ساعة بمعدل إنتاج يصل إلى 8100 ساعة في السنة.
وإذا كانت المصلحة العامة تقضي بتحسين وضع الكهرباء وخفض العجز، فإن المصلحة نفسها تقضي بخفض قيمة الصفقة، اعتماداً على معطيات لم يعد بالإمكان تجاهلها، أبرزها أنه لا يعقل أن تكون كلفة إيجار الباخرة أعلى من كلفة شرائها.
وفيما صار المعدل العالمي لسعر الميغاواط يصل إلى 600 ألف دولار، فإن ذلك يعني أن سعر معمل بقدرة 800 ميغاواط هو 480 مليون دولار، ومع إضافة سعر التشغيل والصيانة المعتمد حالياً من قبل كارادينيز، أي 12.4 دولار للميغاواط/ ساعة (هذه الكلفة تعتبر مرتفعة مقارنةً بكلفة تشغيل معمل الذوق وصيانته، على سبيل المثال، والتي تبلغ 10.7 دولارات للميغاوط / ساعة)، فإن الكلفة الإجمالية لشراء الباخرتين وعقد الصيانة والتشغيل خلال خمس سنوات (401 مليون دولار) تكون 881 مليون دولار. وحتى مع زيادة نحو 20 بالمئة على المبلغ الإجمالي (176 مليون دولار) كبدل تكاليف إضافية مثل إنشاء هيكل السفينتين والعمولات والأرباح الإضافية وغيرهما، فإن التكلفة الإجمالية تصل في حدها الأقصى إلى 1.057 مليار دولار. وهذا يعني باختصار أن شراء الباخرتين يقلّ عن كلفة استئجارهما لخمس سنوات فقط بما يقارب 800 مليون دولار. علماً أن هذه المقارنة تفترض رمي الباخرتين بعد خمس سنوات من شرائهما، فيما الواقع يشير إلى أن بالإمكان بيعهما أو الاستمرار بالاستفادة منهما لسنوات طويلة (عمر المعمل يراوح بين 15 و20 سنة).
افتراض حسن النية يقود إلى اعتبار أن الـ800 مليون دولار الإضافية هي أرباح إضافية وليست عمولات، ولذلك، إن المصلحة العامة الفعلية تقضي بشراء السفن لا استئجارها. ولأن هذا الاقتراح سيقود ربما إلى إجابة نافية لوجود معامل عائمة جاهزة للبيع في العالم، فإن ذلك لا يلغي الاستفادة من هذه الوقائع للوصول إلى اتفاق رضائي عادل للدولة ولا يمسّ بالأرباح المنطقية لأية شركة.