يعكس المشهد والموقف السياسي الذي شهدهما الاحتفال الذي اقامه رئيس الحكومة سعد الحريري، احياءً لذكرى وفاة والده، الخيار الثابت الذي سيعتمده في ادائه والذي بداء يكونه منذ الازمة الحكومية التي حصلت معه.
ولا يخفي محيطون بالحريري بأن مواقفه تدل على انه حريري «جديد» غير الذي عاش على رهانات وعايش الانهزامات التي كانت تصيب محوره السياسي الاقليمي. ومنها اسقاط حكومته دون اي ردة فعل من واشنطن والرياض اللذين يريدان اليوم ان يوترا الساحة اللبنانية على خلفية تصفية الحسابات مع حزب الله.
فعلى سبيل المشهد وتغييب حلفاء الامس، فإن رئيس المستقبل لا يزال حتى حينه رافض لأي تحالف مع كل من القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والمستقلين الذين انضووا واياه سابقا في تحالف 14 آذار. موضحا بان العلاقة مقطوعة مع كل من الكتائب واللواء ريفي والاحرار والمستقلين فيما الدكتور سمير جعجع يريد اعادة احيائها مع الحريري لان ذلك يشكل مكسبا له على اكثر من صعيد، فيما ريفي مصر على عدم التحاور مع الحريري طالما هو على موقفه هذا وابلغ الوسطاء بانه اذا كان لا بد من محاولات تقريب وجهات النظر فهو مستعد لاستقبال السيد نادر الحريري الذي رفض هذه الخطوة.
ورغم ان الرغبة الخليجية تكمن في ان يتحالف مع هذه القوى في الانتخابات المقبلة، في كافة الدوائر مع استثناء دائرة جزين - صيدا، الذي تقبلت الرياض تحالفه فيها مع التيار الوطني الحر، فإن الطلب السعودي وفق هؤلاء المحيطين به لن يترجم تعاونا مع هذا الفريق السياسي اي 14اذار، ولذلك فضل عدم حضورهم مناسبة استشهاد والده. عدا ان من غير الممكن ان يكون رئيس الحكومة حليفا لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويعمد في الوقت ذاته الى مواجهة وزير الخارجية الوزير جبران باسيل انتخابيا بصفته رئيس التيار الوطني الحر، اي حزب رئيس الجمهورية لأن ذلك سيكون له تداعياته على عودته الى رئاسة الحكومة في المستقبل.
ولذلك يستمر رئيس الحكومة في تحصين التسوية الرئاسية التي اوجدت استقرار على الساحة اللبنانية نتيجة طمأنة حزب الله بأن لا انقلاب عليه ولا انخراط لتيار المستقبل في اي محور خارجي لمواجهته. ولذلك لن يكون الحريري رأس حربة سعودية ضد حزب الله من شأنها ان ترتد عليه يوما.
وفي ما خص المواقف السياسية التي يطلقها الحريري، فهي خلاصة قناعة بأن الطائفة السنية في لبنان تمتلك خيارا لبنانيا وليست هي منفذة لأي «اجندة» اقليمية ولذلك يريد تحييدها عن المواجهة المذهبية التي شهدتها المنطقة. عدا ان المغامرات السعودية لم تكن ناجحة في اي من اليمن والعراق وسوريا و مع قطر في موازاة اهمال القيادة السعودية للبنان لتستيقظ على قرار بمواجهة حزب الله الذي بات قوة اقليمية لا يمكن التغلب عليه.
وفي ظل الكباش القائم بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبين الحريري بهدف دفع الاخير باتخاذ موقف اكثر تقاربا من الخيار السعودي، يدور الكلام في هذا الوسط بأن السعودية لا تجيد ادارة الملف اللبناني، وتعبت حتى حينه نتيجة فشلها وان ثمة مؤشرات بأنها ستنسحب من الساحة اللبنانية والدليل على ذلك تركها حلفاءها المعارضين للحريري في حال تخبط وانعدام الرؤية.
ولذلك فإن الحريري يعمد في هذا الوقت الى تحصين ذاته، لحماية الاستقرار وعدم تذويب قوته امام حسابات سياسية غير مدروسة بدت نتيجتها في عدة دول اقليمية عربية. وآخرها اليمن ومصير علي عبد الله صالح.
فالممارسات السعودية مع الحريري منذ سنوات عدة، اوصلته الى نتيجة وقناعة فرضت عليه اعتماد استراتيجية جديدة انقاذية للبلاد بعيدا عن مزايدات القوات والكتائب الذين يمدون الجسور من تحت الطاولات مع حزب الله ولمّا ووجهوا بالرفض نظرا لتواضع احجامهم وادوارهم راحوا يزايدون على الحريري في مواقفهم بهدف ارضاء السعودية وكسب ودها ومالها في حين ان السياسة الوطنية لا تبنى على هذا الاساس، مشيرة الاوساط ذاتها الى ان التحالف مع التيار الوطني الحر يؤدي الى استقرار عدا انه ينسج علاقة جيدة بين الطائفتين السنية والمسيحية نظرا للحجم التمثيلي لهذا الفريق المسيحي. فيما الفريق الآخر يريد ان يكبر حجمه على حساب تيار المستقبل ويضع الشروط مستقويا بالسعودية التي ستخيب ظنه.