عبر موعد الرابع عشر من شباط، وكان من المنتظر إعلان تيار المستقبل عن مرشحيه ولوائحه وتحالفاته. لكن خطاب الرئيس سعد الحريري في المناسبة لم يقدم أيا مما كان منتظرا.
ليس غياب الوضوح في خطاب الحريري عفويا، غير مقصود، وبلا سبب. إنما يخضع للمعايير عينها من الارتباك الكاسح للساحة السياسية الانتخابية، وتحديدا بسبب العمل على قانون انتخابي جديد يعتمد شكلا من أشكال النسبية المعقدة.
ولئن كانت بعض القوى تستطيع السلوك بالقانون نظرا لاكتساحها الشعبي على غرار ساحتي حركة "أمل" و"حزب الله"، إلا أن بقية القوى لا تتوافر لها حالة اكتساح شعبية مماثلة، والسبب الاختلاط السكاني في مختلف المناطق، والتواجد التاريخي لزعامات وقوى تمنع على أية قوة أن تكتسح شارعها، وأبرز المقصود تياري المستقبل، والوطني الحر.
ينعكس الأمر في مدينة طرابلس ارتباكا كبيرا لم يتح الفرصة بعد لأي قوة أن تعبر عن تحالفاتها، ومرشحيها، رغم أن الرئيس نجيب ميقاتي يشكل أكبر كتلة إفرادية، حاسمة لصالحه، تفوق على العشرين بالمائة من دون أية تحالفات.
ومع ذلك، يتقدم الزمن، ويقترب موعد العملية الانتخابية، مما يحشر مختلف القوى، ويضغط عليها لإعلان مرشحيها وتحالفاتها، ولوائحها الانتخابية.
مع اقتراب اعلان اللوائح في دائرة طرابلس- المنية- الضنية، بدأت صورة التحالفات تتضح اكثر حيث بات محسوما، وفق مصادر مطلعة ومختلفة الانتماء، تشكيل خمسة لوائح وهي تتبع لكل من الرئيس نجيب ميقاتي، وتيار المستقبل، واللواء اشرف ريفي، وقوى 8 اذار، و بعض قوى المجتمع المدني.
تعقيدات العملية الانتخابية قد تفرض واقعا غير مرغوب به لدى بعض القوى، فمثلا، في حال تعذر ضم الحاج كمال الخير في المنية الى لائحة 8 اذار، ستظهر ولا شك لائحة سادسة.
وفي حال لم تجد بعض مراكز القوى المعروفة مكانا لها في اللوائح المذكورة، فليس ما يمنع تشكيل هؤلاء للائحة خاصة، فالقانون النسبي هو لصالح الضعفاء، بحسب الخبير في الشؤون الانتخابية الدكتور إيليا إيليا، وفي ضوء ذلك، لا غرابة أن تعلن لوائح اخرى للنائب السابق مصباح الاحدب وغيره نظرا لطبيعة القانون النسبي، ولكن السائد حتى الان احتمال إعلان لوائح كثيرة كواقع سياسي يعاني من غياب قوى سياسية فاعلة تحظى بإجماع شعبي كاسح، ولهذا تسود الفوضى دائرة طرابلس وضواحيها، وقد يكون الاوفر حظا الرئيس ميقاتي باكتساح العدد الأكبر من المقاعد النيابية، وتسجيل فوز مدوٍ يعيد تشكيل الواقع السياسي لمدينة عانت من غياب فاعل على كل المستويات، ادى الى تهميش دورها، وانمائها وذلك بعد أن أدخل تيار المستقبل طرابلس في رهانات، وخيارات خاطئة ادت الى مزيد الضعف، والاهتراء، والتفكك، وزاد من انقسامات المدينة وشرذمة كتلها الشعبية، فأخرجها ذلك من دائرة القرار، وشل قدراتها، وأحبط كلمتها، ومن هنا، تبدو مدينة طرابلس مقبلة على مرحلة جديدة غامضة المعالم.
وربما من الظلامة أن ينظر إلى المدينة أنها ستعيد تشكيل نفسها سياسيا على صورة الماضي القريب الذي دفعت فيه أثمانا باهظة جراء الصراعات الداخلية المدرة فيها لسنوات طويلة، ونتيجة استخدام قواها الشعبية من قبل مراكز قوى متعددة ومعروفة، للانخراط في الأحداث السورية، فدفعت بذلك أثمانا ستعرف ضخامتها تباعا، وبالتدريج، مع مرور الزمن، وسيتكون مذهلة بنتائجها، وسيعرف حينئذ سبب جمود وضع المدينة على المستويات الاقتصادية، والمهنية، وحركة العمل، والحركة الاجتماعية وسواها من مجالات.
لا شك أن تجربة الرئيس ميقاتي شكلت نموذجا في التجربة السياسية بعيدة عن اللعبة الطائفية، والمذهبية، والاصطفافات، والانقسامات السياسية، ولعبة المحاور الخارجية، يوفر ذلك بيئات متنوعة ومؤثرة تؤسس لاحدث تغيرات جذرية، وسياسية تعيد استنهاض المدينة، بينما لاتزال اغلب القوى تبحث عن خطابات تحريضية من خارج اهتمامات ابناء المدينة الذين دفعوا اثمانا غالية نتيجة خيارات خاطئة، ورهانات واهمة، مرتبطة بأجندات خارجية.