من غريب ما يحصل في لبنان هو الاختلاق في التاريخ والتنازل عن المكتسبات، واختلاق أحداث لا صلة لها بالحقيقة دون ان يكون هناك سبب أو مكسب في ذلك لأحد. وآخر ما يتم تداوله اليوم خلافاً للحقيقة هو مسألة الخط الأزرق ومناطق التحفّظ حوله وهنا ومن أجل وضع الأمور في نصابها نرى من الواجب تبيان التالي:
1 ـ لجهة رسم الخط الأزرق. رسم الخط الأزرق في العام 2000 من قبل الأمم المتحدة ومن خلال لجنتين منفصلتين كلياً الأولى لبنانية أممية مؤلفهما فريق لبناني قوامه 5 أعضاء برئاسة العميد الركن أمين حطيط، وفريق دولي من 7 أعضاء برئاسة الجنرال سرينن نائب قائد القوات الدولية في الجنوب اليونفيل، واللجنة الثانية إسرائيلية أممية مؤلفة من فريق دولي من 5 أعضاء برئاسة الجنرال سرينن أيضاً وفريق إسرائيلي مشكل من 6 أعضاء. وبقيت كل لجنة تعمل في نطاقها حيث رفضنا أن نجتمع بالإسرائيليين كلياً، سواء على أرض لبنانية أو على ارض فلسطين المحتلة. وكان الفريق الدولي هو الذي ينقل المواقف والطلبات دون أن يكون هناك أي اتصال بين الطرف الإسرائيلي واللبناني الذي أصر على ان لا تشكل أي لجنة مع العدو إلا في إطار لجنة الهدنة التي الغتها «إسرائيل» من جانب واحد وبشكل غير مشروع في العام 1969.
أما القول إنّ الخط الأزرق رسم من قبل لجنة ثلاثية انبثقت عن تفاهم نيسان، فهو بعيد كلياً عن حقيقة التاريخ. ففي تفاهم نيسان نشأت لجنة خماسية فيها سورية وفرنسا ولن تكون مهمتها لا من قريب ولا من بعيد رسم حدود أو خطوط، بل كانت مهمتها حصراً معالجة انتهاك وقف النار التي تستهدف المدنيين، وليس من مصلحة لبنان مطلقاً أن يشرع وجود لجان مع «إسرائيل» خارج اتفاقية الهدنة الملغاة من قبلها، بما في ذلك اللجنة الثلاثية القائمة اليوم والتي تجتمع في الناقورة خلافاً للقرارات الدولية ولاتفاقية الهدنة ذاتها.
ومن جهة أخرى يجب ان يعرف الجميع ان ليس للخط الأزرق أي قيمة قانونية أو حقوقية، وهو مجرد خط اعتمد ليشكل أداة للتحقق من خروج «إسرائيل» من الأرض اللبنانية وأن مفاعيله وصلاحيته انتفت عندما أعلن اكتمال الانسحاب، وان «إسرائيل» سعت لأن تتخذه حدوداً جديدة يتم التفاوض حولها، من اجل ان تسقط حق لبنان بحدوده الدولية المعترف بها منذ العام 1923 لكن لبنان رفض وبكل شدة هذا المسعى وألزم الفريق الدولي بأن يذكر على خريطة الخط الأزرق بأن هذا الخط ليس حدوداً وليس من شأنه أن يمس بالحقوق المكتسبة.
2 ـ لجهة مناطق النزاع، كانت الصيغة الأولى التي تقدّمت بها الأمم المتحدة للخط الأزرق متباينة مع الحدود الدولية في 13 منطقة يبلغ مجموع مساحتها ما يزيد قليلاً عن 18 مليون م2، وقد رفض لبنان عبر لجنته العسكرية برئاستي القبول بهذا الخط. وبعد نقاش مرير دام أياماً داخل اللجنة اللبنانية الأممية عقدت جلستها الأخيرة منه في اجتماع عقد في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد لحود أخذت الأمم المتحدة بملاحظاتنا وتراجعت عن خطها في 10 مناطق وتمسكت بـ 3 نقاط هي رميش والعديسة والمطلة، ومع تمسك لبنان بحقه في تلك المناطق اعتمد حلّ وسط يقضي بأن يعدّل الخط الدولي في المناطق الـ10 ويتحفظ لبنان على المناطق الـ 3 الباقية شرط أن يبقى الحال ميدانياً كما هو. وهذا ما حصل بالفعل ومنعت «إسرائيل» من التقدّم لقضم عديسه ورميش، ونشأت مقولة التحفّظات الثلاثة المذكورة.
لكن يفاجئنا البعض اليوم بالقول بالنزاع حول 13 منطقة. وفي هذا تنازل عما استحصلنا عليه في العام 2000 وعودة بالأمور الى نقطة الصفر. وفي هذا أيضاً مسّ بحقوق لبنانية ثابتة ووضعها موضع نزاع وجعل ملف الحدود موضع تفاوض كما تريد إسرائيل. وهذا خطر للغاية.
إنّ الموقف اللبناني الذي يجب أن يعتمد ليكون سليماً ويحفظ الحقوق يجب أن يقوم على ما يلي:
أ ـ وقف التداول بمصطلح الخط الأزرق. وهو خط انتفت فعاليته، والقول بالحدود الدولية فقط وبخط الهدنة المطابق لها والتمسك به وفقاً للإحداثيات المحددة باتفاقية بوليه نيوكمب، والمكرّسة بمعالم حدودية تترجم النقاط تلك.
ب ـ وقف العمل بأي لجنة لبنانية إسرائيلية لا تكون في إطار اتفاقية الهدنة، خاصة أن هذه الاتفاقية تؤكد أن خط الهدنة مطابق للحدود الدولية.
ج ـ رفض مقولة النقاط الـ 13 المتنازع عليها، لأن في ذلك تضييعاً وتنازلاً عن حقوق مكتسبة والقول بالمناطق الثلاث المتحفظ عليها.