عشيّة إنتخابات العام 2009، كانت آمال فريق "8 آذار" بقيادة "حزب الله" كبيرة بالسيطرة على الأغلبيّة العدديّة لمجلس النوّاب اللبناني بالتحالف مع تكتّل "التغيير والإصلاح"، لكنّ نتائج هذه الإنتخابات لم تُحقّق لهذا الفريق هدفه غير المُعلن المذكور. واليوم، وعلى الرغم من نفي أمين عام "الحزب" السيّد حسن نصر الله سعيه للسيطرة على مجلس النوّاب في الإنتخابات المُقبلة، يتحدّث خُصوم "حزب الله" عن خطورة أن يكسب الفريق الذي يقوده "الحزب" الإنتخابات، لما له من تأثير كبير برأيهم على كامل الحُكم في لبنان. فهل ينتزع "حزب الله" أغلبيّة نيابيّة في إنتخابات السادس من أيار المُقبل، ويفرض "مشيئته السياسيّة" بعدها؟
لا شكّ أنّ "حزب الله" الذي أعلن بالأمس القريب لائحة بأسماء نوّابه المُلتزمين، بشكل شبه مُتزامن مع إعلان "حركة أمل" لائحة مرشّحيها المُلتزمين أيضًا، يملك "الكلمة الفصل" بالنسبة إلى ترشيحات كامل فريق "8 آذار"، والأدلّة على هذا الأمر كثيرة، منها ما بدأ يتظهّر ومنها ما لم يظهر بشكل واضح حتى الساعة. فمثلاً في دائرة "بعلبك – الهرمل"، طلب "حزب الله" من نائب حزب "البعث العربي الإشتراكي" عاصم قانصو أن يخلي مقعده النيابي لصالح ترشيح مدير عام الأمن العام السابق اللواء جميل السيّد، علمًا أنّ مسقط رأس السيّد هو في "النبي إيلا" في قضاء زحلة. و"حزب الله" هو الذي أدخل النائب السابق ألبير منصور إلى لائحة "بعلبك الهرمل" التي لم يتمّ إعلانها رسميًا بعد، بموازاة قراره سحب المقعد الذي كان يشغله النائب عن "الحزب القومي السوري" مروان فارس ومنحه لمنصور، على أن يتم تعويض "القومي" في مكان آخر. و"الحزب" هو الذي قرّر أيضًا ترشيح الشيخ حسين محمد زعيتر الذي هو من بلدة القصر البقاعيّة في دائرة "كسروان جبيل" في دلالة رمزيّة كبيرة لهذه الخطوة، لجهة ترشيح رجل دين لمقعد نيابي، ولجهة ترشيح حزبي مُلتزم وتحديدًا مسؤول "المنطقة الخامسة" التي تضم جبل لبنان والشمال - بحسب تقسيمات "الحزب"، ليُمثّل الأقليّة الشيعيّة في قلب "عرين الموارنة" – إذا جاز التعبير.
لكن وعلى الرغم من دَوزنة "حزب الله" الدقيقة لمُختلف ترشيحات المُنتمين إلى فريق "8 آذار"، وسعيه الدؤوب بما يملك من نفوذ ومَونة وهيبة، لسحب مرشّح هنا ولإضافة مرشّح هناك، وتحضيراته الدقيقة لأن تكون اللوائح الإنتخابيّة النهائية للإنتخابات المُقبلة، والمدعومة سياسيًا وإعلاميًا وشعبيًا من قبله، مدروسة بعناية وتملك أعلى فرص ممكنة للفوز، فإنّ السيطرة على أغلبيّة نيابيّة في المجلس النيابي مسألة صعبة، حتى مع إحتساب الكتلة النيابيّة التي يُنتظر أن يفوز بها "التيّار الوطني الحُرّ". وفي حال التسليم جدلاً أنّ قوى "8 آذار" بقيادة "حزب الله" وبالتحالف مع "الوطني الحُرّ"، ستكسب النصف زائد واحد في الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، فإنّها لن تكون قادرة على الفوز بأغلبية الثلثين الضروريّة لإجراء أي تعديل دُستوري مثلاً، أو لتأمين إنعقاد جلسة إنتخاب رئيس جديد للجُمهوريّة، إلى ما هناك من مَحطات أو قرارات مُهمّة، علمًا أنّ ولاية المجلس النيابي المُقبل تنتهي قبل نحو خمسة أشهر من نهاية ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال عون، ما يعني أنّ المجلس المُقبل لن ينتخب الرئيس الجديد للجمهورية، إلا في حال التمديد له، أو في حال تقصير أو إنتهاء ولاية "الجنرال" الحالية لأي سبب من الأسباب.
إشارة إلى أنّ الخسائر المُحتملة لعدد من نواب كتلة "لبنان أوّلاً" بقيادة "تيّار المُستقبل"، وربما لبعض نوّاب كتلة "اللقاء الديمقراطي" بقيادة "الحزب التقدمي الإشتراكي"، وربما أيضًا لبعض نوّاب كتلة حزب "الكتائب اللبنانية"، وحتى لعدد من النوّاب المُصنّفين مُستقلّين، لن تذهب كلّها لصالح فريق "حزب الله" السياسي، بل هي ستتبعثر وتتوزّع على أكثر من جهة، منها محسوب على قوى "8 آذار" صحيح، لكن منها من هو لا يزال مُتمسّكًا بمبادئ قوى "14 آذار" السابقة"، وربما على بعض المُستقلّين أيضًا. وبالتالي، لا يُمكن الحديث عن تغيير جذري مُرتقب في موازين القوى الداخلية، علمًا أنّ الأغلبيّة النيابية التي تمخّضت عن إنتخابات العام 2009، لم تستطع أصلاً أن تحكم البلاد أو أن تنفرد بالسُلطة، ولا أن تنتخب رئيسًا. وحتى لو إنتقلت بعض المقاعد النيابيّة من ضفّة إلى أخرى، أو خسر أحد الأحزاب جزءًا من نوّابه لصالح زيادة حصّة حزب آخر، فالديمقراطيّة التوافقيّة الهشّة التي يعيش لبنان في كنفها حاليًا ستبقى قائمة في السنوات المقبلة، بحيث لن يكون من السهل على أي قوة داخلية – مهما تعاظم شأنها، إدارة دفّة السُلطة وحيدة، وسيكون من الصعب إنتخاب رئيس من دون مُساومات وتفاهمات داخليّة جديدة، على وقع المُعطيات والتوازنات الداخليّةوكذلك الإقليميّة والدَوليّة التي ستكون سائدة عند حلول موعد الإنتخابات الرئاسية المُقبلة.
لكنّ الأكيد أنّ من شأن عودة بعض رموز ونواب ووُجوه الحقبة السياسيّة التي كانت سائدة قبل تحوّلات العام 2005المُزلزلة، إلى المجلس النيابي، أن يسدل الستار على شعارات رنّانة ذهبت مع الريح، على غرار مثلاً "وحياة يلّي ماتوا ما بترجعوا"، علمًا أنّ هذا التغيير في غُضون عقد ونيّف من الزمن، ما كان ليتحقّق لولا خوف وتراجع بعض القوى والشخصيّات، وأنانيّة قوى وشخصيّات أخرى، وقُصر نظر قوى وشخصيّات ثالثة من "14 آذار" التي صارت من الماضي كتجمّع وتحالف سياسي، حتى لو بقي الكثيرون من أنصارها مُتمسّكينببعض شعاراتها ومبادئها.