في وجوه هذه الندوة رسالة من البقاع الشمالي من بعلبك – الهرمل للإعلام بمؤسساته المختلفة المرئية والمسموعة والالكترونية والمكتوبة. خصوصا وأن بعض الإعلام اللبناني لا يُركِّز إلا على السلبيات المحدودة فيها ويتغاضى عن النظر إلى الأسباب ومعالجتها. فالصورة الإعلامية عن بعلبك الهرمل أنها خارجة عن القانون وأنها تمارس القتل وتحمي تجار المخدرات وتخطف وتفرض الخوّة. وهذه الصورة غير صحيحة ذلك أنها تتناول نسبة لا تصل غلى واحد في الالف وناجمة عن غياب الدولة. فالبقاع الشمالي مهمل ومتروك ومثله مثل عكار. علما بأن هناك المئات من المحامين والمهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات والشعراء والرسامين والمبدعين في مجال الفن الفولكلوري أمثال عبد الحليم كركلا وابنته اليسار وفهد العبدالله. كما أن هذه المنطقة أنتجت سياسيين شاركوا في بناء الدولة والإستقلال أمثال صبري بك حمادة وسليم حيدر ونقيب الصحافة رياض طه. كما أن هناك شعراء تركوا بصماتهم مثل شاعر القطرين خليل مطران ، سميح حمادة وطلال حيدر ومهندسين خلاقين أمثال غسان قانصو كانوا السباقين في اكتشاف الثروة النفطية في لبنان والرسام رفيق شرف. كما انه هناك من ابدع في الطرب والغناء مثل عاصي الحلاني ، اميمة الخليل ، محمد اسكندر ، معين شريف ، ملحم زين وربيع الاسمر... وهناك خريجي جامعات متفوقين استوعبهم الخارج وأهملتهم الدولة. كما ان هناك اطباء لامعين في مختلف المجالات. من الهرمل من لا يذكر الأخوين جعفر وغسان العميري والمفكّـر نخلة المطران من بعلبك الذي انحاز إلى الفقراء وهو
من الموسرين وكان رفيقه السيد عبدو مرتضى الذي بنى بمجهود شخصي أهم مكتبة في لبنان ضمَّت نخبة الكتب والمراجع..
ماذا نريد من الإعلام في هذه المنطقة؟ نريد الإضاءة على الصورة الإيجابية وعلى حث الدولة على الإهتمام بمشاكلها المزمنة وعلى ايجاد الفرص لأبنائها وعلى فتح باب الوظائف لها وعلى إنجاز البنى التحتية فيها وأجهزة الصرف الصحي وبناء المستشفيات وفتح فروع للجامعة اللبنانية.
في البقاع الشمالي تتوفر كل معطيات السياحة. فيها قلعة بعلبك التي على حد تعبير البطريرك الراعي أحد أهم معلم أثري أنجزه الرومان بحيث لا تقع على مثلها في روما نفسها. هناك قاموع الهرمل. هناك لوحة نبوخذ نصر في جرود الهرمل. هناك الشبكة المائية التي بنتها زنوبيا لنقل المياه من نهر العاصي إلى مدينة تدمر. ومع ذلك عرِّفت قلعة بعلبك في مهرجاناتها على الظاهرة الرحبانية حيث صدحت فيروز وصباح... مبدئيا كل الظروف يًفترض أن تكون مؤاتية لحركة سياحية قوية في البقاع.
هناك أربعون ألف مذكرة توقيف بحق مواطنين في بعلبك الهرمل لأسباب في معظمها تافهة. أي أن ما يزيد على 400 ألف مواطن يتحولون إلى مطلوبين وفارين. والمفارقة أن المسؤولين في الدولة يدركون حقيقة هذا الأمر وما يفترضه من ايجاد مخارج معقولة للإفراج عن ’’لبنان مصغر‘‘ يُكوِّنه البقاع الشمالي بطوائفه المنفية مجتمعة. وفي اللقاء الأخير للقاء التشاوري مع فخامة رئيس الجمهورية الجنرال ميشال عون أشار فخامته بوضوح إلى أنه
أمضى خمسة سنوات في الخدمة العسكرية في بعلبك الهرمل ويعرف تماما أن أهلها طيبون مسالمون وأن المطلوبين الفعليين عددهم قليل جدا ولا بد من معالجة مذكرات التوقيف بروح المسؤولية وإنصاف المنطقة. والمعروف أن المنطقة وكل المراجع رفعت الغطاء عن كل مرتكب لجريمة أو خاطف وطالبت بتطبيق ميثاق الشرف الذي وقعته العشائر مع الإمام السيد موسى الصدر والذي يحصر المسؤولية بالشخص المرتكب لا بعشيرته أو عائلته كما يعني رفع غطاء العشيرة عن المرتكب. كما أن رفع الغطاء هذا يعني مطالبة الجهات الأمنية بالقيام بواجباتها كاملة ومن دون أي تقصير. فما يحتاجه البقاع الشمالي هو وضع أمني كامل يفتح الباب على الإستثمار وعلى السياحة وعلى حماية المواطنين والزائرين من عمليات الخطف والإبتزاز والسرقة.
لكن بقاعنا الشمالي متروك ومنسي إنمائيا وأمنيا. ونأمل من الإعلام في هذا المجال أن تكون وظيفته البناء وأن يساهم في تصويب الأداء ويلفت النظر إلى أوجه التقصير وأن لا يقتصر عمله على الإثارة السياسية والغرائزية والمتوحشة.
أيا يكن الأمر لقد وعدت الدولة بأن حظر زراعة الحشيش يُعَوَّض عنه بالزراعات البديلة للمزارعين. كان هذا مجرد وعد. والتعويض الحقيقي هو في السماح بزراعة الحشيش لأغراض طبية والحؤول دون تجارة المخدرات. هذه الناحية لفت النظر إليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وشجّع الدولة على الأخذ بهذا الخيار أسوة بما تفعله دول مثل تركيا والمغرب. تشكر المنطقة وليد جنبلاط على موقفه هذا خصوصا في ظل غياب السياسة الزراعية للدولة
وفي ظل غياب تصنيع المنتوج الزراعي وتسويقه. ونأمل من الإعلام اللبناني أن يشجع هذا الخيار بدل التركيز على تجارة المخدرات التي يذهب ضحيتها المزارعون فيما يبقى التجار الكبار محميين وغير ملاحقين.
ينبغي أن نعترف أنه بين رؤساء الجمهورية وحده فخامة الرئيس الجنرال فؤاد شهاب الذي حاول ربط البقاع الشمالي بالمركز بيروت بفتح المدارس وشق الطرق وايصال الكهرباء وإعطاء السلف للمزارعين وايجاد الوظائف...
لا شك في النظرة المسيئة لمنطقتنا هناك مسؤولية على الإعلام. لكن المسؤولية الفعلية تقع على طرفين. من جهة غياب الحضور الفعلي للدولة على الصعيدين الأمني والإنمائي وهناك تلازم بين هذين الامرين في موضوع السياحة والإستثمار والإستقرار. والطرف الآخر هو نحن أهل المنطقة الذين نسهم بإعطاء الصورة السلبية بغياب تضامننا وإهمالنا لحقوقنا وتغليب تعارضاتنا الداخلية والمحلية على المصلحة المشتركة.
كيف يمكننا أن نحرّك الإعلام في خدمة السياحة والإنماء. هذا الأمر غير ممكن من دون معالجة الأسباب. الإستقرار أولا. حضور الدولة ثانيا. حماية المستثمرين ثالثا. استكمال البنى التحتية من شبكات ري وصرف صحي وإقامة السدود وتوفير ما تستلزمه السياحة من فنادق ومطاعم. ورابعا الإلتفات إلى ناحية الدعاية والإعلان والإعلام. وهذا ما يمكن أن تساهم به الدولة والشركات السياحية. وخامسا نشريات باللغات الأجنبية عن البقاع الشمالي والمواقع الأثرية. وسادسا إعلام التواصل الإجتماعي عبر المواقع الإلكترونية ذلك أن الكثير من السياح
الأجانب والأوروبيين زاروا جرود الهرمل نتيجة لهذه المواقع أو تعرَّفوا على أهمية نهر العاصي عبر رياضة الكاياك. وسابعا إقامة المعارض والمهرجانات وتسليط الضوء على التراث. وحول علاقة هذا الإعلام الجديد بالنشاط السياحي وكيف يمكن توظيف هذا المعطى الإعلامي في خلق ديناميكية سياحية تسهم للترويج وتجسيد مفهوم الصناعة السياحية التي من شأنها أيضا المساهمة في التنمية الإجتماعية والإقتصادية للبقاع الشمالي ولبنان عموما. حول هذه العلاقة ثمة دور للجامعات في فتح مسارات تكوين في أقسام الإعلام والإتصال تعنى بالمجال السياحي بكل جوانبه وخصوصا في تكوين كادرات تأخذ على عاتقها خلق فضاء سياحي متنوّع. في كل الأحوال ولادة الإعلام السياحي تفترض التلازم بين جهود تنموية وأمنية واستقرار سياسي وجهود إعلامية.
أيا يكن الأمر صورة البقاع الشمالي ترتبط أولا وأخيرا بتكوين لوبي ضاغط في المجتمع المدني البقاعي يعمل على نشر الوعي وتحقيق متحد إجتماعي فعلي لتحقيق مطالب المنطقة.
رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع