هذا السؤال بات سؤال الساعة بعد أن دخلت الحرب الوطنية التي تخوضها سورية ضد التنظيمات الإرهابية، المدعومة من قبل الدول الغربية الاستعمارية وكيان الاحتلال الصهيوني والأنظمة الرجعية،
مرحلة حاسمة تضع سورية على أعتاب تحقيق النصر النهائي، بعد نحو سبع سنوات من الصمود والمقاومة ومن ثم الانتقال إلى الهجوم وتطهير معظم الأرض العربية السورية من سيطرة الإرهابيين بكل تنوعاتهم.
من يتابع التطورات الميدانية والسياسية يلحظ بأن قرار سورية وحلفائها بدء معركة تطهير ما تبقى من وجود إرهابي في بعض المناطق ولاسيما محافظة إدلب والغوطة الشرقية، وشرق الفرات، قد استنفر الإدارة الاميركية التي شعرت بأن لحظة نهاية حربها قد أصبحت قاب قوسين، ودنت معها لحظة خروج قواتها من سورية خالية الوفاض من دون تحقيق أي هدف من أهدافها السياسية والاقتصادية التي شنت الحرب من أجلها. ترافق ذلك مع حصول تطور مهم تمثل في ظهور مؤشرات على نجاح الدولة السورية في إقناع قوات الحماية الكردية في عفرين بأن لا سبيل لإحباط العدوان التركي إلا من خلال العودة إلى أحضان الدولة الوطنية السورية والتخلي عن أوهام إقامة فدرالية أو حكم ذاتي كردي رهاناً على الدعم الأميركي، خصوصاً بعد أن تبين أن واشنطن غير مستعدة للوقوف ضد تركيا دفاعاً عن الأكراد، بل إن واشنطن لا تتردد في التخلي عنهم عندما يكون عليها الاختيار بين حليفها الاستراتيجي تركيا، وقوات الحماية الكردية، وهذا كشف للأكراد في سورية أن الولايات المتحدة لا يمكن الركون إليها وأنها تعمل لاستخدامهم في خدمة مصالحها الاستعمارية في سورية بعد أن فقدت ورقة استخدام داعش وباتت القوى الإرهابية الأخرى على شفير النهاية.
لهذا تحركت واشنطن لمنع سورية وحلفائها من القضاء على آخر معاقل الإرهاب في شرق الفرات، ومحاولة عرقلة الاتفاق بين أكراد عفرين والدولة السورية، واتخذ تحركها باتجاهين:
الاتجاه الاول: الإعلان صراحة عن أنها لن تسحب قواتها من سورية قبل إيجاد حل سياسي للأزمة، وتحقيق جملة من الأهداف والتي حددها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال محاضرة له في ستانفورد بثلاثة:
الهدف الأول: منع عودة تنظيم داعش بعد هزيمته في الرقة والموصل، من دون طبعا أن يذكر أيضاً هزيمته في دير الزور والميادين والبوكمال.
الهدف الثاني: مواجهة ما أسماه النفوذ الإيراني.
الهدف الثالث: إسقاط الحكومة الشرعية.
الاتجاه الثاني: محاولة إقناع تركيا بوقف هجومها على عفرين عبر التهدئة من مخاوفها من خلال القول إن نشر قوات أميركية في منبج يحول دون حصول تواصل بين عفرين ومنبج.
الاتجاه الثالث: التذرع بحماية الأقليات، وهو ما كشفه إعلان وزير الدفاع الأميركي جيمس مايتس: (إن الولايات المتحدة تحاول وضع الأمور على السكة الدبلوماسية، للتضحية الصورة، وتأكد بأن الأقليات لن تتعرض لما رأيناه).
من الواضح أن استخدام ورقة الأقليات المقصود به الاختباء وراء الزعم بحماية الأكراد بعد أن أدركت واشنطن ضعف إبقاء قواتها لمنع عودة داعش.
وهي طبعاً مجرد ذريعة لأن واشنطن هي من صنع داعش ومكنه من السيطرة على أجزاء واسعة من العراق وسورية لتبرير إرسال قواتها بحجة محاربة هذا التنظيم الإرهابي، غير أن القوات الأميركية لم تسهم في محاربة داعش بل كانت تقدم له الدعم عندما كان يواجه الهزائم في الميدان على أيدي الجيش العربي السوري وحلفائه، وقامت بإنقاذ المئات من عناصر داعش في محافظة دير الزور ونقلتهم بطائرات الأباتشي إلى مناطق سيطرتها في شمال شرق سورية وفي قاعدة التنف لإعادة تنظيمهم وتأهيلهم من جديد وتمكينهم من مواصلة حرب استنزاف الجيش السوري وحلفائه، وما إعلان مناطق شرق الفرات التي تتواجد فيها عناصر داعش التي فرت من الميادين والبوكمال، مناطق خاضعة للحماية الاميركية، وإقدام القوات الأميركية بضرب قوات المقاومة الشعبية السورية في دير الزور أكثر من مرة لقيامها بشن الهجمات في شرق الفرات إلا دليل واضح على ذلك.
هذا التصعيد الأميركي العسكري يكشف سعي واشنطن إلى محاولة فرض أمر واقع في شمال شرق سورية بغية محاولة ربط سحب قواتها من سورية بالاستجابة لشروطها التي تضعها لتسهيل التوصل إلى حل سياسي وإنهاء الحرب في سورية. الإدارة الأميركية باتت تدرك أن هدفها الأساسي من شن الحرب، وهو إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة، لم يعد ممكناً بعد هزيمة جيوشها الإرهابية التي أرسلتها إلى سورية، ولهذا فإن واشنطن تريد اليوم عبر الاختباء وراء دعم الأكراد وحقوق الأكراد ومنع عودة داعش من أجل تبرير بقاء قواتها واستخدام سيطرتها في مناطق شمال شرق سورية ورقة لفرض حل سياسي يمكن الجماعات التابعة لها من أن تكون جزءاً من تركيبة السلطة في سورية، ومنع أي وجود عسكري لحلفاء سورية على الأراضي السورية، وإذا ما أصرت الدولة السورية على رفض هذه الشروط الأميركية، فإن واشنطن ستعمل على دعم الأكراد وتمكينهم من إقامة كيان انفصالي عن الدولة يشكل قاعدة لاستمرار القوات الأميركية بذريعة حماية هذا الكيان.
إلى جانب كل ذلك فإن الخطة الأميركية لإعاقة انتصار سورية وخروجها من الحرب تتضمن أيضاً توفير الملاذ الآمن لعناصر داعش وتمكينهم من مواصلة شن الهجمات ضد الجيش السوري وبالتالي إدامة حرب استنزاف سورية.
ما تقدم يؤشر بوضوح أن معركة القضاء على ما تبقى من وجود إرهابي على الأرض السورية واستعادة الدولة السورية كامل سيطرتها على أراضيها والحفاظ على سيادتها واستقلالها باتت مرتبطة أيضاً وبالتوازي مع معركة مقاومة قوات الاحتلال الأميركي وإحباط الخطة الأميركية لابتزاز سورية والنيل من استقلالها.
ويبدو أن سورية وحلفاءها قد بدؤوا التمهيد لخوض معركة مقاومة الاحتلال الأميركي وإسقاط هذه الأهداف الاميركية، عبر سلسلة من الخطوات العملية والمواقف السياسية أبرزها:
1- إعلان الرئيس بشار الأسد بأن القوات الأميركية الموجودة على الأرض السورية إنما هي قوات احتلال لأنها لم تأت بطلب من الدولة السورية، وإن كل من يتعامل معها سيتم التعامل معه باعتباره عميلاً لها، وإذا لم تنسحب القوات الأميركية فإنها ستواجه المقاومة على غرار ما حصل في العراق.
2- وصف المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية التواجد الأميركي بقاعدة التنف جنوبي سورية بأنه احتلال وإن القوات الأميركية دخلت في مواجهة مفتوحة مع الجيش السوري في شرق الفرات، مشيرة إلى أن عمليات الأميركيين على الضفة الشرقية لنهر الفرات تتسم بطابع استفزازي حيث أظهروا الولاء لحلفائهم الأكراد.
3- نشر الجيش العربي السوري منظومة دفاع جوي تغطي شمال سورية لحماية قوات الجيش في الخطوط الأمامية في المواجهة مع القوى الإرهابية، والتصدي لأي تدخل من الطيران الأميركي إذا ما أقدم على قصف القوات السورية.
من هنا يمكن القول إن الحرب في سورية قد دخلت مرحلة مواجهة قوات الاحتلال الأميركي وإسقاط آخر محاولاتها لتحقيق بعض أهدافها بالتدخل في شؤون سورية الداخلية والسيطرة على مناطق النفط في شمال شرق سورية بحجة حماية الأكراد، وهذه المرحلة كان قد وصفها الرئيس الأسد بأنها (ستكون الأصعب). لكنها لن تكون أصعب مما واجهته سورية على مدى السنوات السبع من الحرب الكونية الإرهابية، ذلك أن المعركة المباشرة مع القوات الأميركية تجعل أميركا في وضع حرج، فهي ستكون في مواجهة مباشرة مع الجيش السوري والمقاومة الشعبية السورية، ما يضع واشنطن أمام خيارات صعبة:
إما التورط عسكرياً في سورية عبر إرسال عشرات الآلاف من جنودها، ما يجعلها تنزلق إلى حرب استنزاف من العيار الثقيل في مواجهة حلف المقاومة، ستجبر في النهاية على الرحيل بعد أن تكون قد تكبدت خسائر كبيرة، عسكرياً ومادياً، وهذا المال المتوقع لأي انزلاق في حرب جديدة هو ما دفع الإدارة الأميركية في عهد أوباما إلى التراجع عن شن الحرب عام 2013، واليوم فإن إدارة دونالد ترامب أعلنت أنها لا تريد شن حروب جديدة وأنها تريد توفير الأموال لمعالجة أزمة الاقتصاد والدين في أميركا.
أو الاضطرار إلى التراجع والتسليم بفشل حربها، والعودة إلى سلوك طريق النزول عن سلم التصعيد عبر الموافقة على المشاركة في تسهيل الاتفاق على الحل السياسي في جنيف على أساس مخرجات مؤتمر سوتشي الأخير المرتكز إلى تفاهمات فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
الأكيد أن ما رفضته القيادة السورية خلال السنوات الماضية من الحرب، وفي أكثر اللحظات صعوبة وخطورة، لن تقبل به اليوم، بعد أن باتت في وضع أفضل في مواجهة الأميركي، فهي دفعت ثمن الدفاع عن استقلال وسيادة ووحدة سورية، وليس هناك ما يجبرها اليوم للتخلي عن استقلالية قرارها الوطني ورفض التبعية والوصاية الأميركية الغربية. ولهذا فإنه في مثل هذه المواجهة مع القوات الأميركية فان الكفة تميل لمصلحة موقف الدولة السورية، وليس لمصلحة أميركا التي تفتقد لأي مبرر لوجودها على الأرض السورية، ولاسيما بعد سقوط ورقة الإرهاب.