في كلام مسجّل بصوته، تناقلته أخيراً مواقع التواصل الإجتماعي قال النائب وليد جنبلاط: «أطالب بمحاكمتي ومحاكمة الآخرين، لا يستطيع أيّ زعيم أن يقول إنه بريء من دم الأبرياء، كلّهم مجرمون، وللوصول الى حلّ سياسي عادل لا بدَّ من الإقتصاص من الجميع...»
وليد جنبلاط يتّصف بجرأة صاعقة حيال ما لَهُ وما عليه، ومرّة قال: «كنتُ «مزنوقاً» فارتشيت...» هي جرأة لو استخدمها أيُّ زعيم آخر لسقط بالضربة السياسية القاضية.
مثلما أنّ أيَّ زعيم لا يستطيع أن يقول إنه بريء من دم الأبرياء فلا يستطيع أيُّ زعيم أن يقول إنه بريء من جرم الرشوة، سواءٌ كان بالإدانة المشهودة أو بالإدانة الصامتة.
لعلَّ وليد جنبلاط يحاول بهذا الإعتراف العلني أن يصدر حكماً على نفسه أمام محكمة الشعب ليبرِّئ ذمَّتَهُ بتسديد عقوبة الإقتصاص.
ولكن، ماذا عن الآخرين الذين امتصَّتْ جلودُهم دمَ الأبرياء فانتفخت به كالورم...؟
وماذا عن الذين كانوا «مزنوقين» فارتشوا... وكانوا مُعدمَينَ فاغتنوا، وكانوا مغمورين فأصبحوا زعماء: بثياب ميليشياوية مرقطة بالدم، أو بعباءة إقطاعية ملطّخة بالإثم، كأنما الثوب هو الذي يصنع الراهب.
المجالس النيابية حسب الدكتور أنطوان مسرّة تناوبت عليها 26 عائلة منذ سنة 1920... سبعون في المئة من أفرادها وصلوا بالوراثة...
هكذا يتسلسل السلطويون عندنا، كما يتسلسل الخلَفُ عن السلَفِ في التاريخ السياسي القديم، حيث كان الملك شبهَ إله، ثم كان الحاكم وكان الخليفة وكان الأمير والإمام والزعيم والوزير... الخَلف متورِّطٌ كالسلف، إِما بالجرم المباشر، وإِما بالوراثة الجرمية والمالية الحرام.
وهكذا يتسلّط الزعماء الكبار وهُمْ قلَّةٌ معروفة وموصوفة تخضع الرعية لسلطانهم كأنهم طبقة إجتماعية جاثمةٌ على طبقة أخرى، والملحقون بهم من أعضاء الحاشية أو أعضاء الحزب أبواقٌ تسبِّح الأسياد وتردّد الأصوات كالقطيع الذي ينسِّق خطاه على وقع الجرس الذي في عُـنُقِ الكرّاز.
باسم الأربعة ملايين لبناني الذين أصبحوا يعيشون تحت سقف الذُلِّ وخطِّ الفقر.. وباسم المليون ونصف المليون لبناني الذين هاجروا هرباً من سقف الذل والفقر...
هل يتكرّم الذين يدبّجون الإستنابات واستطلاعات الرأي لإبراز الحجم الإنتخابي المنفوخ للزعماء الكبار... هل يتكرمون بأن يطرحوا سؤالاً ساذجاً على الذين
تسلموا الحكم منهم، والذين حكموا باسمهم، كيف كانت أحوالهم وأموالهم وعيالهم قبل أن ينتفخوا على كراسي السلطة...؟
وكيف أصبحت الأحوال والأموال والعيال والثروات والممتلكات من بعد...؟
وقد أُغدِقت المناصب والمكاسب على كلِّ مَنْ يشملهم حصرُ الإرث وصكُّ الملكية الوراثي، وعلى كلِّ مَنْ هُمْ مِنَ الأسماء الخمسة والأفعال الناقصة وجمع المؤنث السالم وغير السالم؟
هؤلاء، هم أسياد المعركة الإنتخابية الذين عناهم وليد جنبلاط، والذين لن يكون معهم حلٌ سياسي عادل إلَّا بالإقتصاص.
وفي غياب محكمة عدل السلطة تبرز محكمة عدل الشعب، لعلّ العقاب يكون في محكمة الإنتخاب..
«ولكُمْ في القصاصِ حياةٌ يا أوْلي الألبابِ لعَّلكُمْ تتَّقون..»
(سورة البقرة – «178»)