تعتبر المخدرات من الآفات الاجتماعية الخطيرة المنتشرة بصورة كبيرة في جميع الدول، لما لها من أثر تدميري على المجتمعات وعاملا رئيسيا لعدد من المشاكل الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والصحية، دفعت الدول لبذل الكثير من الجهد والمال لمحاربة انتشارها، تجنبا لما ينتج عن آثارها على الفرد والمجتمع.
وقد عرف الإنسان هذه الظاهرة منذ القدم، فقد كان التجار يقصدون من ورائها الربح المادي وتكوين ثروة بشكل سريع، بينما يقصد المتعاطون السعادة والنشوة والمتعة.
ويعد إدمان المخدرات من أخطر المشكلات التي يتعرض لها الفرد والأسرة بل والمجتمع بشكل عام، اذ أن أضرارها لا تمس مدمن المخدرات فقط، بل تمتد آثارها لتلحق أضرارا اجتماعية واقتصادية بأسرته وبمجتمعه.
ولكون هذه المشكلة المتفاقمة تضر بعقول الأبناء بجميع فئاتهم العمرية بما فيهم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات بسبب ظهور أنواع جديدة من المخدرات غير التقليدية المعروفة، فتسبب لمتعاطيها مشكلات جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية واقتصادية.
تعريف المخدرات
المخدرات هي مواد كيميائية تسبب اختلالات في الجسم، وفي وظائف الجهاز العصبي، وتؤثر عليه تأثيرا مباشرا، فيشعر المتعاطي بالنعاس، والنوم، والغياب التام عن الوعي، والشعور بالنشوة، والمتعة، الأمر الذي يجعله يدمن عليها.
والمخدرات لها القدرة على التأثير المباشر على الإنسان، فتحدث نوعا من الاعتماد النفسي، أو العضوي، أو كليهما معا، فيصعب على المتعاطي تركها دون خضوعه لعلاج ولفترات طويلة.
عواقب تعاطي المخدرات
يقول دكتور القلب والأوعية الدموية، علي مهنى، ان تعاطي المخدرات يؤدي لحدوث أضرار بالغة على الصحة العامة للإنسان وخاصة على قواه العقلية، اذ تحول المخدرات المتعاطي لشخص يصبح عبءا على نفسه وعلى أسرته وعلى المجتمع ككل.
ويذكر مهنى الأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات: حدوث اضطرابات في القلب، وارتفاع ضغط الدم الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث انفجار الشرايين، والتعرض لنوبات الصرع إذا توقف الجسم عن تعاطي المخدر فجأة. هذا عدا موت عدد كبير من خلايا الدماغ وبالتالي تدمير الجهاز العصبي المركزي، وتلف الكبد فتزيد نسبة السموم في الجسم، واضطرابات الجهاز الهضمي وفقدان الشهية واشتداد حالات الإمساك والإسهال ما يؤدي إلى الهزال والشعور بعدم الاتزان، بالإضافة الى الإصابة بالأمراض الجنسية منها نقص المناعة مع احتمال كبير بالإصابة بالعقم، وبعض الأمراض الفيروسية مثل فيروس الكبد البائي.
ويضيف مهنى قائلا: "يؤدي تعاطي المخدرات إلى حدوث أمراض نفسية مزمنة واضطرابات عقلية، كإلتهاب المخ الذي يؤدي إلى الهلوسة وأحيانا فقدان الذاكرة بالإضافة إلى حدوث خلل في الطريقة التي يعمل بها، وظهور العديد من السلوكيات السلبية على متعاطي المخدرات مثل سرعة الاضطراب والشعور الدائم بالقلق، والسلوك العدواني اتجاه الآخرين." ويرى الدكتور انه من الصعب التوقف عن تعاطي المخدرات بصورة منفردة، إذا تمادى المدمن في تعاطيها وامتنع عن العلاج فقد يصل إلى مرحلة اللاعودة.
أثر المخدرات على المجتمع
يقول المحامي روي أبو شديد: " بلغ عدد متعاطي المخدرات 2163 متعاط منذ تاريخ 1-1-2017 لغاية 2017-7-31، أما المروجون فعددهم 406، والتجار 71 والمهربون 67".
ويعتبر أبو شديد أن المخدرت تشكل خطرا على المجتمع ككل وليس فقط على متعاطي المخدرات، اذ تكثر الحوادث خاصة حوادث الطرقات والاغتصاب وذلك بسبب تأثير المخدرات على الجهاز العصبي وفقدان السيطرة والتركيز . كما أن ارتفاع أسعار المخدرات يسبب مشاكل مالية، فكثيرا ما يسرق المتعاطي أو يقتل للحصول على المال ، كذلك يلجأ للاحتيال بكل أنواعه أو يتعاون مع تجار المخدرات ويضع نفسه تحت طائلة القانون.
ويرى أبو شديد أن هناك أسباب كثيرة تكمن وراء انتشار هذه الظاهرة، يأتي في مقدمها ضآلة سعر المخدرات، انتشارها بشكل كثيف، فقر الحال، ضعف السلطة العائلية، الحرب الداخلية، رفاق السوء، سهولة الحصول على المخدرات وصعوبة بناء مراكز علاجية .
ولمحاربة المخدرات، يؤكد أبو شديد على ضرورة إشغال الشباب بأمور تثقيفية، وملاحقة مهربي المخدرات ومعاقبتهم، واتخاذ الاجراءات الوقائية التي تساعد متعاطي المخدرات على التخلص من آثارها قبل الوصول إلى مرحلة الإدمان، والابتعاد عن مراكز السهر واللهو، وزيادة الاهتمام بالتعليم والتوعية على أضرار ومخاطر المخدرات، ونشر الأخلاق والتعاليم الدينية على أسس علمية مدروسة، والعمل على علاج مدمني المخدرات طبيا ونفسيا واجتماعيا. ويضيف قائلا: "ظهرت مؤخرا العديد من الجمعيات في لبنان لتأهيل المدمنين، وهي تقريباً 20 مركزا وأهمها SKOON، تجمع أم النور، الجامعة اليسوعية، شبيبة ضد المخدرات JAD- شبيبة لمكافحة المخدرات- JCD كاريتاس لبنان وغيرها"...
"شعرت بخليط غريب من الأحاسيس..."
يقول أحد متعاطي المخدرت، علي حمية: " تعلمت أولا تدخين السجائر من رفاقي في المدرسة، كنت وقتها في الرابعة عشر من عمري، أدرس في مدرسة برج البراجنة، وكان سعر السيجارة الواحدة عشرة آلاف ليرة لبنانية، وكان يرتفع ثمنها من فترة لأخرى ليصل للعشرين ألفا. كما اختلطت ببعض الشباب الأكبر مني سنا وكانوا يتعاطون الحشيشة، ويتراوح سعرها بين ثلاثين وأربعين ألفا، فتأثرت بهم ورحت أقلدهم. وشعرت بخليط غريب من الأحاسيس المختلفة (سعادة – حس مرهف – ضحك)، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة ادماني على المخدرات ولم أعد أستطع التخلص منها."
جابر .. ضحية والده
بدأ محمد جابر، وهو من مدمني المخدرات، بالتعاطي وهو في الحادية عشرة من عمره، بعدما لاذ إلى الشارع هربا من أبيه الحاد الطباع، الذي كان يعنف والدته.
ويقول جابر: "وجدت نفسي بين مجموعة من الشباب المدمنين، بدأت بسيجارة حشيشة يبلغ سعرها عشرين ألف ليرة لبنانية، قبل أن أغوص في عالم الإدمان". رغم صغر سنه، لم يحر الشاب في تأمين ثمن المخدرات، إذ كان يعمل في ملهى ليلي، يتقاضى في الشهر 600 ألف ليرة لبنانية، ويقوم بإنفاق ثلثي هذا المبلغ على المخدرات. وأكثر ما أثر به وشكل نقطة تحول لديه هو انضمامه عن طريق أحد رفاقه إلى مركز "أم النور" وبدأت مسيرته في التحرر من المخدرات.
اذا، المخدرات واحدة من أخطر المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه العالم كله بمختلف مجتمعاته العربية والغربية. وتنتشر هذه الظاهرة في مختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف الأعمار ولا سيما لدى المراهقين والشباب. لذلك، ان تعاطي المخدرات مسؤولية مشتركة بين الأهل والسلطة، ولكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأهل لإنشغالهم بقشور الحياة وترك الأولاد بدون حسيب أو رقيب.
ألم يحن الوقت لنقف صفا واحدا من مكتب مكافحة المخدرات الى جمعيات أهلية ومؤسسات تربوية ووسائل إعلام وأهل في وجه عدو المجتمع؟