شكلت عملية المقاومة الفلسطينية النوعية في خان يونس في المكان والزمان، ومن حيث النتائج التي أفضت إليها، تطوراً مهماً في سياق المواجهة المستمرة مع كيان الاحتلال الصهيوني.
فالعملية فاجأت جيش الاحتلال وأصابت قيادته بالصدمة والذهول إلى حد أفقدها صوابها، وكاد يخرجها عن طورها لدرجة التخبط في ردود أفعاها الأولية، والسبب يكمن في كون العملية تم زرعها من قبل المقاومين بإتقان وحرفية تنم عن درجة عالية من الابتكار في الوسائل، وهو أمر لم يعتد عليه جيش الاحتلال، وهذا يؤشر إلى أن المقاومة بعد أن أفشلت العدوان الصهيوني على قطاع غزة سنة 2014، لم تنم على نتائج نجاحها في إحباط أهداف العدوان وتعزيز معادلة الردع في مواجهته على أرض فلسطين عبر تمكنها من قصف العمق الصهيوني في تل أبيب وغرب القدس والنقب وغيرها من المناطق الحيوية، بل كانت طوال السنوات الثلاث الماضية تعمل على التدرب وتطوير وسائل المقاومة استعداداً للجولات المقبلة من المواجهة مع الاحتلال.
في حين أن تفجير العبوة الناسفة التي تم زرعها في مكان كان يعتقد العدو أنه يسيطر عليه ويخضع للرقابة الدائمة بوساطة نقاط حراسته والكاميرات التي نصبها في محيط القطاع لمراقبة كل خطوة أو حركة في المنطقة، يشكل فشلاً ذريعاً للإجراءات الأمنية لـجيش الاحتلال في تجنب عمليات وكمائن المقاومة، وهو ما دفع معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، إلى دعوة الجيش إلى فحص كيفية وقوعه في هذا الفخ؛ إذ تم تفخيخ علم فلسطيني وأدت محاولة انتزاعه إلى تفجير العبوة.. وتساءل: «هل كان هناك استهتار من القوات؟ لماذا لم تكن هناك معلومات استخبارية عن الهجوم المخطط؟ وكيف لم تلحظ المراصد زرع العبوة؟».
أما لناحية توقيت حصول العملية فإنه يأتي في لحظة سياسية وميدانية يحتدم فيها الصراع بين الشعب العربي الفلسطيني وكيان الاحتلال في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة كيان الاحتلال، الأمر الذي يدلل على تصميم وإرادة فلسطينية على مواجهة المخطط الأميركي الصهيوني لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والرد على هذا المخطط بتصعيد المقاومة المسلحة إلى جانب الانتفاضة الشعبية التي ازدادت اشتعالاً على إثر إعلان ترامب؛ حيث جاءت العملية النوعية في لحظة بدء عملية المزاوجة بين الانتفاضة الشعبية والمقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وهو ما تجسد في عمليات المقاومة في نابلس وجنين وغيرهما من مناطق الضفة، في ظل ظهور عجز متزايد لدى جيش الاحتلال في القدرة على منع عملية المقاومة أو حتى اعتقال المقاومين، وبالمقابل نجاح بعض المقاومين في تقديم نماذج من البطولة على غرار الشهيد أحمد جرار الذي جردّ العدو قوات كبيرة مدعومة بالطائرات المروحية لمدة تقارب الشهر لاعتقاله ولم تنجح واستشهد أخيراً بعد أن خاض مواجهة مع قوات الاحتلال التي حاصرت مكان وجوده إثر معلومات وصلتها من بعض العملاء عن مكانه.
على أن النتائج المهمة التي أدت إليها العملية المبتكرة يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً: إصابة أربعة جنود للعدو بجراح، اثنان إصابتهما خطيرة وهو ما شكل خسارة كبيرة لجيش العدو في عملية واحدة الأمر الذي ترك أثره على الحالة المعنوية لجنود العدو وأنهم ليسوا بمأمن وأن يد المقاومة طويلة وقادرة على الوصول إليهم مهما امتلكوا من قدرات ووسائل، وأن قطاع غزة المحاصر يملك مقاومة قادرة على توجيه الضربات المؤلمة لضباطه وجنود جيش الاحتلال.
ثانياً: نجاح المقاومة في إسقاط قواعد الاشتباك التي حاول العدو فرضها وتكريسها بعد فشل عدوانه الأخير عام 2014؛ حيث خرق نظام التهدئة وأقدم على تنفيذ عمليات اغتيال العديد من كوادر المقاومة مراهناً على أن المقاومة لن تجرؤ على الرد لحاجتها إلى الهدوء والاستقرار في القطاع الذي لا يزال يعاني النتائج الاقتصادية والاجتماعية للعدوان التدميري واستمرار الحصار وتفاقم معاناة الناس في أكثر مناطق العالم كثافة سكانية. فالعملية أدت إلى كسر هذه القواعد وفرضت معادلة جديدة في مواجهة اعتداءات الاحتلال على القطاع من ناحية، وأثبتت عدم خوف المقاومة من الذهاب إلى المواجهة الشاملة إذا ما أقدم الاحتلال على تنفيذ عدوان واسع على القطاع، وهو ما تجلى في رد المقاومة على القصف الصهيوني بقصف مناطق صهيونية في غلاف غزة من ناحية ثانية.
ثالثاً: تبين أن كيان العدو بات يهاب الذهاب إلى التصعيد مع المقاومة على غرار ما حصل عام 2014، وذلك لإدراكه ومعرفته بتنامي قدرات المقاومة على الرد وتكبيده خسائر كبيرة على كل المستويات، وهو ما دفع العدو إلى التراجع عن التصعيد والاكتفاء برد محدود، والعودة إلى توسيط مصر للتهدئة، الأمر الذي كشف عن مأزق القوة الصهيونية رغم امتلاكها آلة عسكرية متطورة وقادرة على إحداث دمار هائل.
إن قوة جيش الاحتلال ظهرت أنها حتى مع قطاع غزة المحاصر وذات المساحة الصغيرة والمنبسطة والمكشوف للطيران الحربي الصهيوني، الأحدث في العالم، باتت قوة مرتدعة، والسبب تطور قدرات المقاومة ونجاحها في امتلاك وسائل دفاع جوي في مواجهة طائرات العدو، وهو يجعل سماء غزة غير آمنة لطائرات العدو في أي عدوان يحصل على القطاع. وخوف قادة العدو من الانعكاسات السياسية والأمنية والاقتصادية لأي مواجهة واسعة جديدة مع المقاومة ستكون أكثر أثراً من عدوان 2014.