أيّام قليلة، أو أسابيع معدودة على الأكثر، ولا يعود من المُمكن المُماطلة لفترة أطول على صعيد تحديد المرشّحين والتحالفات الإنتخابيّة بصُورتها النهائية، والتي ستُصبح غير قابلة للتعديل عند رفع اللوائح الإنتخابيّة إلى وزارة الداخليّة قبل نهاية آذار المُقبل. من هنا لا تزال القوى السياسيّة ترفع شروطًا مُتبادلة خلال عمليّات التفاوض على الحُصص واللوائح، تعزيزًا لفرصها بالفوز بأكبر عدد مُمكن من المقاعد. وفي هذا السياق، تدور مُفاوضات دقيقة بين كل من "التيار الوطني الحُرّ" و"تيّار المُستقبل"، بشأن الدائرتين الإنتخابيّتين في عكار و"صيدا–جزين". فما هي آخر المعلومات في هذا الشأن؟.
في عكّار، كان "التيّار الوطني الحُرّ" يأمل أن يخوض المعركة الإنتخابيّة بمرشّحين إثنين من أصل ثلاثة مقاعد مسيحيّة ومن أصل سبعة مقاعد لهذه الدائرة الإنتخابيّة الشمالية. وهو رشّح كل من جيمي جبّور عن المقعد الماروني وأسعد درغام عن المقعد الأرثوذكسي. لكنّ مُفاوضات "الوطني الحُرّ" مع "تيّار المُستقبل" إصطدمت برفض "المُستقبل" التخلي عن مقعدين لصالح "الوطني الحُرّ"، مع التذكير أنّه في إنتخابات العام 2009 فازت اللائحة المدعومة من قوى "14 آذار" عُمومًا، و"تيّار المُستقبل" خُصوصًا، بكامل المقاعد وبفارق كبير عن اللائحة المنافسة الأساسيّة(1). وبالتالي رفض "المُستقبل" التنازل عن إثنين من المقاعد المسيحيّة الثلاثة التي يشغلها حاليًا كل من النوّاب رياض رحال ونضال طعمه وهادي حبيش، مبديًا إستعداده بالتنازل عن مقعد واحد لصالح "الوطني الحُر". أكثر من ذلك، تمسّك "المُستقبل" بالنائب الماروني هادي حبيش، مبديًا إستعداده للتنازل عن أحد المقعدين المخصّصين لطائفة الروم الأرثوذكس، ما يعني أنّ على "الوطني الحُرّ"–وفي حال المُوافقة على شروط "المُستقبل" التخلّي عن ترشيح جبّور الذي كان حقّق نتائج مُمتازة في الإنتخابات الداخليّة للتيار البُرتقالي، والإكتفاء بتبنّي درغام عن المقاعد المسيحيّة الثلاث. وقد أثار هذا الإحتمال إمتعاضًا كبيرًا في صُفوف مُناصري "الوطني الحُرّ" الذين حثّوا قيادتهم على التمسّك بالمرشّحين جبور ودرغام، وعلى عقد تحالف إنتخابي مع قوى غير "المُستقبل" في حال رفض سحب حبيش باعتبار أنّه لا يُوجد سوى مقعد ماروني واحد في هذه الدائرة الشماليّة. في المُقابل، رفض مُناصرو "تيّار المُستقبل" توزيع المقاعد التي بحوزته بشكل مجّاني على بعض القوى السياسيّة بحجّة التحالف معها، وخوض المعركة على المقاعد الباقية في ظلّ حديث عن حتميّة خسارة جزء منها، لتُصبح خسارة "المُستقبل" مُضاعفة، منها طوعي ومنها بحُكم القانون النسبي والمعركة الإنتخابيّة!.
في "صيدا–جزين"، المُفاوضات بين "الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" ليست أفضل حالًا حيث أسفرت الشُروط والشروط المُضادة إلى زيادة التعقيدات أمام إحتمالات التحالف. وفي هذا السياق، عُلم أنّ "المُستقبل" الذي كان فاز بمقعدي قضاء صيدا في إنتخابات العام 2009(2)، طالب بأحد المقاعد المسيحيّة الثلاثة في جزين للتحالف مع "الوطني الحُرّ" الذي كان فاز بدوره بالمقاعد الثلاثة في قضاء جزين في إنتخابات العام 2009، وكذلك في الإنتخابات الفرعيّة التي نظّمت بعد وفاة النائب الراحل ميشال حلو(3). وقد أثار تسريب إشاعات عن عزم "الوطني الحُر" التخلّي عن المقعد الذي يشغله النائب صوايا لإنجاح تحالفه مع "المُستقبل" إلى إمتعاض في صُفوف مؤيّديه ومناصري "الوطني الحُرّ" عُمومًا في هذه الدائرة. وقد طالب مُناصرو "الوطني الحُرّ" بخوض المعركة مع حلفاء آخرين غير "المُستقبل" في صيدا، لأنّه في حال التنازل عن أحد مقاعد جزين طوعيًا للمُستقبل وخسارة أحد المعارك المسيحيّة الأخرى بحكم القانون النسبي والمعركة الإنتخابيّة في ظلّ دعم "حركة أمل" للمرشّح إبراهيم سمير عازار، يبقى نائب واحد من أصل ثلاثة للتيار الوطني الحُرّ في هذه الدائرة. في المقابل، رأى مُناصرو "المُستقبل" أنّه في ظلّ الخشية الكبيرة من خسارة أحد المقعدين السنّين في صيدا، فإنّ على "تيّار المُستقبل" الذي يملك فائضًا من الأصوات في صيدا، العمل على الفوز بمقعد مسيحي في جزّين، وهو أمر مُمكن بمجرّد التحالف مع شخصيّة مسيحيّة قادرة على تأمين بضعة آلاف من الأصوات من جزّين فقط.
وفي الخُلاصة، يُمكن القول إنّ الشروط والشروط المُضادة بين كل من "التيّار الوطني الحرّ" و"تيّار المُستقبل" من عكّار إلى "صيدا–جزين"، وضعت مُناصري الطرفين في موقع حرج، وجعلت المُفاوضات بين قيادتي "التيّارين" دقيقة وحسّاسة، علمًا أنّ المُعطيات تتغيّر بين يوم وآخر وحتى بين ساعة وأخرى في بعض الأحيان، خاصة وأنّ تنازلات حتميّة منتظرة من هذا الطرف أو ذاك في هذه الدائرة أو تلك، ليُقابلها منطقيًا تنازلات للطرف الآخر في دائرة أخرى. وفي حال عدم حُصول ذلك، فإنّ الأمور ستذهب عندها لمعركة وإلى مزيد من اللوائح المُتنافسة في مُختلف الدوائر الإنتخابيّة!
(1) نال آخر المُرشّحين على اللائحة الفائزة، أي النائب معين المرعبي 71586 صوتًا، في مقابل 42758 صوتًا لأوّل المرشّحين الخاسرين، أي النائب وجيه البعريني.
(2) فاز كل من النائبين بهية الحريري (نالت 25460 صوتا) وفؤاد السنيورة (نال 23041 صوتًا)، في مُقابل نيل أبرز الخاسرين، أي أسامة سعد 13512 صوتًا.
(3) فاز "الوطني الحُرّ" عن المقاعد الثلاثة، وتمثل بكل من النواب زياد أسود وعصام صوايا وميشال حلو الذي خلفه أمل أبو زيد بعد وفاته.