تماما كما كان متوقعا، بدأت الاعتراضات تتوالى وتتوسع داخل "التيار الوطني الحر" بعيد حسم القيادة العونيّة القسم الأكبر من أسماء مرشحيها للانتخابات النيابية على أن تعلنهم بشكل رسمي بعد شهر في مهرجان كبير تُحضر له تزامنا مع انعقاد المؤتمر السنوي للتيار.
ولعل تزامن الاعتراضات العونية مع الاستياء الكبير الذي يسود شارع الثنائي الشيعي على خلفية عدد من أسماء المرشحين، وأبرزهم من تمّت تسميتهم في دوائر لا ينحدرون منها، سيسهل على قيادة التيار استيعاب هذه الأزمة التي كانت أصلا تتحضر لها وتنتظرها، لا بل تتوقع أسوأ منها قبل أسابيع من موعد الانتخابات مع احتدام معركة الصوت التفضيلي بين المرشحين العونيين أنفسهم.
وكما بات معلوما، فقد حسم "الوطني الحر" الأسبوع الماضي تحالفه الانتخابي العام مع تيار "المستقبل" على ان يخوضا الانتخابات على لوائح واحدة في غالبيّة الدوائر حيث هما على تقارب. وقد تم التوصّل الى هذا الاتفاق بعد الكثير من الأخذ والرد ووصول الأمور في فترة من الفترات الى حائط مسدود، ما دفع عدد من نواب وقياديي "المستقبل" للخروج والاعلان عن خوضهم المعركة الانتخابية على لوائح زرقاء حصرا من دون اتمام اي تفاهمات مع قوى وأحزاب أخرى.
الا أن التنازلات المتبادلة التي قدّمها الطرفان أفضت لتوقيع اتفاق نهائي بدأت معالمه تتضح مع مرور الوقت، وان كان لم يُعلن أي شيء رسمي بعد في هذا الخصوص. لكن التسريبات وابلاغ عدد من المرشحين والقياديين العونيين بوجوب تنحّيهم وافساح المجال أمام مرشحين آخرين سواء من "المستقبل" أو ممّن يدورون في الفلك العوني، أرخت جوا من الاستياء العارم، وبخاصة في عكار وزحلة حيث أظهرت الاسماء المتداولة والحصّة التي حصل عليها "التيار"، تراجعا كبيرا في مطالب القيادة العونيّة التي اضطرت على ما يبدو الى خفض سقفها في دوائر لرفعه في أخرى.
وكشفت مصادر مطّلعة عن استياء كبير في صفوف الناشطين العونيين في عكار بعد حسم ترشيح النائب هادي حبيش عن المقعد الماروني وبالتالي حصول تيار "المستقبل" مجددا على هذا المقعد الذي لطالما صوّب نحوه العونيون. وما زاد الطين بلة، بالنسبة لهؤلاء هو حصر حصة التيار في دائرة الشمال الأولى بمقعد واحد هو الأرثوذكسي مقابل حصول "المستقبل" على معظم المقاعد المخصّصة لهذه الدائرة، علما ان "الوطني الحر" كان قادرا وحده ودون التحالف مع "المستقبل" في عكار على كسب أحد المقاعد. وقد شكلت قيادة "التيار" في المنطقة وفدا زار وزير الخارجية جبران باسيل للطلب منه باعادة النظر بقراره هذا وترشيح القيادي جيمي جبور بديلا لحبيش، خاصة وأنّه تم التداول بمعلومات عن نية بعض المحازبين هناك اما التخلّي عن بطاقاتهم الحزبيّة أو التمرد على القيادة وعدم المشاركة في الانتخابات.
وكما في عكار، كذلك في زحلة حيث حسمت أيضا أسماء المرشحين ليتبين ان النائب السابق سليم عون يمثل وحده المحازبين في "التيار" بعد قرار القيادة ترشيح مستقلّين عن المقعدين الكاثوليكيين والمقعد الارثوذكسي، وتولي "المستقبل" الترشيحات عن بقية المقاعد. وقد أكدت القيادة أن ترشيحاتها مبنيّة وبشكل أساسي على نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت أن باقي المرشحين العونيين الذين يحملون بطاقات حزبية لن يكونوا رافعة لأي لائحة يُدرجون عليها، ما أوجب تغليب المصلحة العامة للحزب على المصالح الضيقة.
ولا تقتصر الاعتراضات على زحلة وعكار بل تطال جبيل أيضا حيث لم يتردد قياديون عونيون باعلان نيتهم تشكيل لائحة مضادة للائحة "التيار"، ما سيؤثر تلقائيا على العملية الانتخابية التي لا تبدو بالاصل سهلة على القيادة العونية بعد جمع قضاءي كسروان وجبيل في دائرة واحدة.
وبانتظار بلورة المساعي التي يبذلها الوزير باسيل لاستيعاب كل هذه الاعتراضات والعمل على ترتيب الصفوف واعادة توحيدها، خاصة وأنّه بادر مؤخرا للتواصل مع عونيين انشقّوا في فترات ماضية ونجح باقناعهم بالعودة الى كنف تياره، والأرجح أن هذه الاعتراضات لن تبقى محصورة في حزب او مجموعة معيّنة بل ستتوسع في الاسابيع المقبلة لتهدد بعمليات تمرد بالجملة يُسمع صداها واضحا في صناديق الاقتراع.