تتسابق المعارك في الميدان السوري من جهة، وخطوط المفاوضات ومشاريع التسويات من جهة أخرى، تلك المعارك يبدو أن الجيش العربي السوري، مدعوماً من حلفائه، وعلى رأسهم الروس، بدأ يحسمها بالكامل،لدرجة أن الأطراف الأخرى اقتنعت وقبلت بما كانت ترفضه بالأمس، خصوصاً لناحية شروط التفاوض والتسويات، حيث غاب كلياً المطلب الذي تمسّكت به سابقاًأغلب أطراف الصراع في الحرب على سورية؛ الخارجيين والمحليين، والذي هو “لا حل بوجود الرئيس بشار الأسد”، فهذه الأطراف اليوم تحاول الحصول على الحد الأدنى مما كانت لا تقبل به أبداً في السابق.
من هنا، نجح اتفاف “وقف الأعمال القتالية” في سورية،والذي فرضته روسيا، في ضرب المجموعات المسلحة ببعضها، وتعميق الانقسام بينها، كون هذا الاتفاق لا يشمل كل من تنظيمي “جبهة النصرة”؛ فرع “تنظيم القاعدة في بلاد الشام” و”داعش” الإرهابيَّين، والفصائل المسلحة التي تدور في فلكهما، وبموجبه يمنع على أي فصيل “معتدل” التدخُّل أو مؤازرة المجموعات الإرهابية عندما يستهدفها الجيش السوري أو الطيران الحربي التابع لروسيا أو قوات التحالف الدولي، وأدى هذا الاتفاق كذلك إلى تداخُل الجبهات على ساحة الاقتتال بين مختلف التنظيمات المسلَّحةفي جنوب دمشق، لاسيما بين “داعش” و”النصرة” من جهة، وبين سواها ممن يلتزم الاتفاق المذكور أعلاه.
ويعمل الجيش السوري وحلفاؤه على توسيع نطاق “درع العاصمة” دمشق باتجاه الجنوب، وللغاية شنّ هجوماً واسعاً على محور حزرما – النشابية، وقبلها في الأشهر الفائتة على محور عين ترما – جوبر، وذلك لفصل جوبر عن حرستا، وحيث تشكّل الأولى أبرز معاقل “فيلق الرحمن”، المدعوم من قطر، فقد سبق ذلك استعادة منطقة القابون المحاذيةلدمشق، بهدف تأمين حماية أمن العاصمة دمشق من الجهة الشمالية الشرقية،خصوصاً من اتجاه الغوطة الشرقية، حسب ما تؤكد مصادر ميدانية متابعة وتشير إلى أن الجيش السوري يعمل الآن على تثيبت نقاطه ومواقعة في القطاع الجنوبي للغوطة، لكي يتمكن من التقدم باتجاه القطاع الشمالي، أي نحو دوما وحرستا، في حال أراد ذلك، علماً أن هاتين المنطقتين تخضع بغالبيتهما لسيطرة “جيش الإسلام”، ويشملهما اتفاق “خفض التوتر.”
ويبقى حجر الأساس في خطط الجيش العربي السوري هو تحضيره للقيام بهجوم كبير، تحت غطاء جوي روسي، على المنطقة الممتدة من دير الزور في الشرق وصولاً إلى الغوطةالشرقية في الوسط، بعد نجاحه في استعادة القلمون الشرقي، وذلك لإسقاط “مشروع تقسيم سورية” بشكل نهائي، والإجهاز على مخطط إنشاء كونتون غرب الفرات تحت النفوذ الروسي، وآخر شرق الفرات تحت النفوذ الأميركي، لأن هذا الأمر يهدد خرائط المنطقة بأسرها.