سأل الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب في كلمة له خلال ندوة أقامتها منظمة "الحزب الشيوعي اللبناني" في طرابلس والميناء، حول "الانتخابات وآفاق التغيير الديمقراطي"، "ماذا يريد الحزب الشيوعي اللبناني من هذه الانتخابات النيابية، وكيف ينظر إليها وعلى أي أساس قرر الانخراط في هذه المعركة؟"، مشيراً إلى أن "هذه الانتخابات تقام وسط ظروف وأحداث إقليمية ودولية سياسية وأمنية كبرى تحيط بالمنطقة، ولهذه الأخيرة انعكاساتها على لبنان بالدرجة الأولى وبالتالي على الاستحقاق الانتخابي بالدرجة الثانية، فالانتخابات لها ابعادها الإقليمية والدولية المؤثرة فيها إلى حد كبير، ويبدو ذلك واضحا في حجم التدخلات بهذا الاستحقاق وفي تنظيم اصطفافاتها. فهذه الانتخابات تحدد مصير ودور وموقع لبنان في الصراع الدائر في المنطقة، وبالتالي هي جزء من هذا الصراع الحاصل في المنطقة، كما تحدد أين هي الأكثرية السياسية في لبنان ولصالح أي معسكر من المعسكرات المنخرطة في الصراع الدائر".
وقال: "أما الجزء الثاني فهو البعد الداخلي اللبناني وهوالأهم، حيث خطر أزمة النظام السياسي الطائفي بحد ذاته، الذي بدوره يفسح المجال لكل هذه التدخلات الدولية والاقليمية، ويشرع أمامها الأبواب، فهو نظام التبعية للخارج، نظام ارتهان امراء الطوائف لأوصيائهم في الخارج، ونظام المحاصصة والفساد المستشري الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق في البلد مع هذا الطاقم السياسي، الذي لم نر أسوأ منه على الأطلاق".
وحذر من "خطر استمرار التجديد لهذا النظام الطائفي ولهذه السلطة السياسية الفاسدة في هذه الانتخابات"، لافتا إلى ان "اللبنانيين عبروا عن رفضهم لها بالمواجهات والتحركات خلال السنوات الست الماضية عبر آهات وأوجاع أطلقها الآلاف من اللبنانيين، الذين نزلوا إلى الشوارع كي يدينوا هذه الطبقة السياسية، في ما يتعلق بأدائها السياسي وموقفها وخطابها الطائفي والمذهبي، وما عليهم سوى المتابعة في محاسبتهم لها في صناديق الاقتراع".
وقال: "لقد استطاعت أطراف السلطة ان تتجمع وتتوحد بهدف إعادة انتاج نفسها من جديد، من خلال هذا القانون الانتخابي، الذي سموه "النسبية"، وتمكنوا من تجويف النسبية من مضمونها أي من إصلاحها السياسي، بحيث أبقوا على القيد الطائفي، وأعادوا تقسيم الجبنة بين بعضهم بعضا مجددا من خلال تقسيم الدوائر والصوت التفضيلي والحاصل الانتخابي. وضربوا عرض الحائط كل الكلام الذي ألقي عن الإصلاحات والكوتا النسائية وحق الشباب بالاقتراع عند سن ال18، حفاظا على مصالحهم. وهذا خطر فعلي حقيقي لا يأخذ بعين الاعتبار كل صرخات وأوجاع الناس التي شهدتها الشوارع خلال السنوات الست الماضية. إلا أن هذه الحركات الاعتراضية استطاعت ضرب ما يسمى النظام الأكثري أي نظام المحادل والباصات الكبيرة، لكنها لم تستطع انتاج نظام النسبية بمضمونها الإصلاحي السياسي والانتخابي".
أضاف: "إن قوى الاعتراض والتغيير الديمقراطي لم تكن متفقة على توصيف النسبية بالشكل المطلوب، كما طرحها الحزب الشيوعي اللبناني؛ نسبية خارج القيد الديمقراطي ولبنان دائرة انتخابية واحدة، بل كان المشترك فيما بينهم فقط "النسبية" وهذا لا يكفي خاصة إذا كنا نريد أن ننقل البلد من الحالة السياسية التي شرذمته الى مزارع وكانتونات، إلى حالة سياسية أخرى تعمل على توحيده وبناء وطن لجميع أبنائه لا لمجموعة طوائف"، مؤكدا أن "أكبر دليل على خطورة هذا القانون هو ما شهدناه خلال الفترة الأخيرة الماضية، عبر تصعيد الخطاب الطائفي والمذهبي، الذي حصل بين ليلة وضحاها وأعادنا مجدداالى بدايات الحرب الأهلية، فبدا واضحا في بلدة الحدت استخدام السلاح والخطاب الطائفي والمذهبي".
وتابع: "ليس مفاجئا أن يسمعنا من أصدر هذا القانون، خطابات طائفية ومذهبية تمزق وتشتت النسيج الاجتماعي بهذا البلد. وإذا كانت بداية المعركة الانتخابية هكذا، فكيف بمنتصفها وفي نهايتها؟ وهذه إدانة لكل من وقعوا على هذا القانون فهم يستهدفون قوى الحراك المدني والاجتماعي، والقوى العلمانية اليسارية الشيوعية، حيث عمدوا إلى وضع فيتو عليهم؛ لمنع صوتهم الذي كان يطالب بحقوق الناس بالشارع من الدخول إلى المجلس النيابي".
وأشار الى أن "هناك فيتو على الشيوعيين لمنعهم من الدخول إلى المجلس النيابي، ليس فقط بالقوانين الانتخابية، بل بالضغوط وبالتزوير، فكم من مرة نجح مرشحو الحزب وأسقطوا بالتزوير. بينما الذين يدخلون إلى المجلس لا يملكون تمثيلا أكثر منهم. فبعضهم ليس لديه أكثر من 2000 صوت وقدأصبح نائبا وربما نائب رئيس للمجلس النيابي، وهذا الحزب الممتد من الناقورة حتى النهر الكبير، ويمتلك الاف الاف الأصوات الانتخابية، يمنع عليه دخول المجلس النيابي بحكم هذا القانون وما سبقه. انه قانون تعميق الطائفية والمذهبية، قانون التزوير لصحة التمثيل النيابي، هو قانون لا يستهدف تمثيل القوى اليسارية والمدنية والعلمانية فقط، بل يستهدف وحدة لبنان ويمنع التغيير الحقيقي والانتقال من الدولة الطائفية إلى الدولة العلمانية والمدنية والديمقراطية".
ولفت "بهذا المعنى نقول من حقنا ومن حق الذين قدموا الشهداء وناضلوا بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وانطلاقا من حجم تمثيلنا أن نأخذ ما يعود لنا من مقاعد نيابية، يجري التعدي عليها عبر القوانين الانتخابية الجائرة. أعطينا لبنان ما لم يعطه أي حزب سياسي في هذا البلد،أعطيناه من روحنا 75 سنة ونحن نقاوم هذا الاحتلال وهذا العدوان منذ هجرة عصابات الهاغانا الصهيونية على أرض فلسطين حتى اليوم. وإذا كان هناك اصلاح وتغيير، فنوعية هذا الإصلاح والتغيير تكمن في هذا الصوت الشيوعي اليساري الديمقراطي الوطني المستقل في اختراق أسوار هذا المجلس".
وقال: "نحن أخذنا هذا القرار باستكمال المواجهة. وقلنا نحن ضد هذا القانون للأسباب التي ذكرناها، ولأننا ضده، فنحن ضد هذه السلطة التي أنتجته. والدخول في هذه الانتخابات هو لاستكمال المواجهة ضد أحزاب السلطة التي أقرته، فمن هذا الموقع قررنا خوض المعركة الانتخابية. وندعو اللبنانيين إلى مشاركتنا بهذا الموقف. ونكرر قررنا خوض الانتخابات ضد هذا القانون وضد الذين وضعوه، فهي محطة أساسية بمعركة سياسية مفتوحة ضد هذه السلطة".
أضاف: "فلنكن مخلصين وأوفياء لكل الحركات والنضالات التاريخية، التي سارت في هذا البلد، خاصة للمعارك التي حصلت خلال السنوات الست الماضية وما طرحته من أبعاد سياسية حول موضوع "الدولة التي نريد" لأن هذا النظام الطائفي، الذي أنتج هذه الدولة الفاشلة وهذه السلطة الفاسدة، لا يمكن ان يحقق الإصلاح الحقيقي وان يلبي مطالب وقضايا الناس ومشاكلها؛ من المياه للكهرباء والسكن والضمان والرواتب والأجور... وأن هذه المطالب لن تتحقق في ظل هذه الدولة الطائفية والمذهبية وفي ظل هذه السلطة الفاسدة، والذي يريد حقه فلينتخب للتغيير، أي للبديل السياسي، أي لقوى الاعتراض والتغيير الديمقراطي".
أما عن معركة الانتخاب، سأل "هل يعقل اننا استطعنا تحرير لبنان من العدو الصهيوني وحررناه بالمقاومة؟ ولم نستطع حل أزمة النفايات؟"، معتبرا أن "هذا ليس بالقليل. شعبنا يضحي بالدم، وهم يرمونه بالنفايات، ويمارسون الإفقار والتهجير والتخويف بحقه، فتحرير الأرض يجب ان يصب لصالح التغيير. بينما نرى انه وبالرغم من كل التحركات والضغوط الشعبية حول ملف البيئة ما زالت الأزمة تتفاقم بسبب الخصخصة".
وتطرق إلى "الحراك الرابع الذي تجسد بمواجهة هذه السلطة في انتخابات البلدية"، داعيا إلى "ربط هذه الحراكات الأربعة ضمن معركة خامسة يعمل الحزب الشيوعي على حمايتها سياسيا في سبيل تحقيق هدف تنظيم معارضة وطنية ديمقراطية علمانية تطرح نفسها بديلا عن هذا الطاقم السياسي الفاسد، وتحدث خرقا في هذه السلطة السياسية وتدخل إلى المجلس النيابي بدون أي تنازل او التزام سياسي وتضع الموقف الذي كانت تطرحه في الشارع داخل المجلس دفاعا عن حقوق الناس وكراماتها"، مطالبا ب"وضع استبيان واحتساب عدد الأصوات المحتملة لقوى الاعتراض والتغيير على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، التي قال أحدهم أنها توازي 12 نائبا، أي كتلة نيابية لا يستهان بها في المجلس".
وقال: "إن الذي اعتدى على مقاعد نيابية ليست له، هو عينه الذي اعتدى على حقوق الناس وأجورهم، وحرمنا من فرص العمل، وهجر شبابنا، وأغرقنا بالنفايات والفساد.. بحكم هذه القوانين التي تنتج هذه السلطة".
وختم مداخلته بالتطرق إلى "متابعة جهود الحزب الشيوعي اللبناني في تنظيم صفوف قوى المعارضة، التي بادر الحزب إليها في لقاء موسع لها في الرابع من شباط الماضي في مسرح المدينة، وحضره حوالي 45 هيئة وتجمعا وطنيا سياسيا ضد السلطة في حضور عدد من الشخصيات تجاوز ال 400 شخصية تقريبا، وامتدت إلى بقية الدوائر والمناطق ونحن نعمل مع غيرنا من القوى والأحزاب والهيئات والشخصيات العلمانية والمدنية على تنظيم وبناء هذه المعارضة الديمقراطية والوطنية، التي يفتقدها البلد، كما نعمل على تشكيل لوائح لمواجهة اللوائح السلطوية"، مضيفا "فلنضع الانتخابات النيابية كمحطة سياسية في سبيل إنضاج ظروف وشروط انتاج هذه المعارضة، التي عليها واجب متابعة المعركة لما بعد الانتخابات النيابية".