في تطور لافت على مستوى تنظيم دخول الرعايا السوريين إلى لبنان، أصدر مجلس شورى الدولة، في 8 شباط 2018، قرارا يحمل الرقم 421/ 2017- 2018، بشأن المراجعة المقدمة من أحد اللاجئين السوريين وجمعية المفكرة القانونية وجمعيّة رواد frontiers بوجه الدولة اللبنانية، والتي تتعلق بالقرارات الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام الخاصة بتنظيم دخول وإقامة المواطنين السوريين في لبنان، بعد أن كانت المديرية قد أعلنت في بداية العام 2015 عن صدور معايير جديدة لتنظيم دخول السوريين إلى لبنان والاقامة فيه، كمنح إقامات تتراوح مدتها بين 24 ساعة و6 أشهر تبعاً لسبب الدخول إلى لبنان.
في قراره، أكد مجلس شورى الدولة عدم صلاحية المديرية العامة للأمن العام لتعديل شروط دخول السوريين وإقامتهم في لبنان، حيث أن القانون حصر هذه الصلاحية بمجلس الوزراء من دون سواه، ولا وجود لأي مبرر قانوني لعدم ممارسته هذه الصلاحيات، في حين ينحصر دور الأمن العام بتطبيق هذه الشروط من دون الحق بتعديلها أو فرض شروط جديدة، وأن التعديل يجب أن يراعي الاتفاقيات الدولية الموقعة مع سوريا والتي تضمن حرية التنقل للأشخاص بين البلدين وحرية الإقامة والعمل.
من الناحية القانونية، من المفترض أن يكون هذا القرار ملزماً لثلاثة جهات، هي وزارة الداخلية والبلديات والمديرية العامة للأمن العام ومجلس الوزراء، نظراً إلى أن قرارات مجلس شورى الدولة تكتسب القوة التنفيذية فور صدورها، وبالتالي تكون الدولة اللبنانية أمام إحتمالين: العودة إلى تطبيق التعليمات المعمول بها قبل العام 2015، أو إصدار مجلس الوزراء قراراً جديداً لتنظيم شروط دخول السوريين إلى لبنان وإقامتهم فيه.
في هذا السياق، فضلت مصادر مطلعة في المديرية العامة للأمن العام، عبر "النشرة"، عدم التعليق على القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة، إلا أن مصادر أخرى مطلعة أوضحت، عبر "النشرة"، أن الإجراءات التي قامت بها المديرية كانت نتيجة لقرار لجنة وزارية منبثقة عن مجلس الوزراء، وبالتالي لا يمكن لها العودة عنها من تلقاء نفسها، بل يجب أن يصدر قرار جديد عن السلطة السياسية المعنية.
من جانبها، توضح المحامية في المفكرة القانونية غيدة فرنجية، في حديث لـ"النشرة"، أن ليس من صلاحيات مجلس شورى الدولة أن يقول كيف من الممكن أن تقوم الدولة اللبنانية بتصحيح هذا الخطأ القانوني، كونه يكتفي بإعلان الأوضاع القانونية، وبالتالي من المفترض الانتظار لمعرفة الإجراءات التي ستقوم بها السلطات المعنية.
وأكدت المحامية فرنجية أنه بحال تخلف تلك السلطات عن تنفيذ القرار، تكون ترتكب مخالفة جديدة تمس باستقلالية السلطة القضائية، وتشير إلى أن لديها مهلة معقولة للتنفيذ غير محددة الزمن ولكن عليها المباشرة باتخاذ إجراءات تنفيذية فورا.
ورأت المحامية فرنجية أن الحديث عن أن الإجراءات المطبقة تعود إلى قرار صادر عن لجنة وزارية لا يستقيم، لأنها بحاجة إلى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، مشددة على أن المعني المباشر في هذا الملف، بالإضافة إلى مجلس الوزراء، هو وزارة الداخلية والبلديات بصفتها السلطة التي يتبع لها الامن العام.
بدوره، يعيد وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، في حديث لـ"النشرة"، كل ما يتعلق بأزمة النازحين إلى غياب سياسة حكومية موحّدة وواضحة في هذا الملف، مشيراً إلى "أنه لدينا أمور غير منتظمة والكل يرمي المسؤولية على الآخر"، موضحاً أنه "في العام 2015 كانت الآراء منقسمة إلى أقصى الحدود داخل مجلس الوزراء، حيث رفض اتخاذ قرار بهذا الأمر، وتم تحويل الموضوع إلى الأمن العام ليتحمل المسؤولية"، واصفاً الأمر بـ"التذاكي".
ويشدد المرعبي على أن هذا الأمر ليس من صلاحيات الأمن العام، ومن المفترض أن يأخذ مجلس الوزراء القرار المناسب، لكن في الفترة الحالية هناك إنقسام سياسي عامودي لا يؤدي إلى التوافق، موضحاً أنه هناك وزارة دولة من مهامها الأساسية الوصول إلى وضع سياسة عامة، لكن نتيجة الإنقسام لم يتم الوصول إلى إتفاق، ويضيف: "اليوم هناك من يحاول إستخدام هذا الملف في الإنتخابات النيابية أيضاً".
ويرى المرعبي أن "المطلوب من اللجنة الوزارية، التي يرأسها رئيس الحكومة سعد الحريري، أن تتفق على سياسة موحدة تحيلها إلى مجلس الوزراء لإقرارها، لكن حتى داخل اللجنة لم نصل إلى نتيجة"، ويشير إلى أن قرار مجلس شورى الدولة من المفترض أن يبحث داخل مجلس الوزراء أو في اللجنة الوزارية المعنيّة، إلا أنه يوضح أن الآمال بالوصول إلى نتيجة غير كبيرة بسبب الخلافات السياسية من جهة، وبسبب الإستحقاق الإنتخابي حيث الجميع يلجأ إلى الخطابات الشعبويّة بدل التفكير الموضوعي في هذا الملف.
في المحصلة، بعد قرار مجلس شورى الدولة سيكون هناك معضلة أساسية أمام الحكومة اللبنانية لبت هذا الملف، في حين هي عاجزة منذ أشهر طويلة عن إقرار سياسة واضحة المعالم تجاه أزمة النازحين السوريين.