بعد نحو أسبوعين ونيّف من اليوم تنتهي المهلة المُحدّدة لتقديم اللوائح النهائية للإنتخابات النيابيّة، ما يعني أنّ حسم التحالفات بين القوى والأحزاب والشخصيّات المُختلفة يجب أن يُحسم خلال الأيام القليلة المُقبلة. وعمليّة تركيب هذه اللوائح تترافق مع عمليّات "شدّ حبال" مُتبادلة بين الأطراف المعنيّة، وذلك لتحصيل أكبر عدد مُمكن من المُرشّحين من جهة، ولتأمين أفضل ظروف للفوز من جهة أخرى. واللافت أنّه في الساعات القليلة الماضية ظهرت بوادر حلحلة للتحالفات التي يسعى حزب "القوّات اللبنانيّة" لنسجها، في مُقابل ظُهور مجموعة من الصُعوبات والمشاكل بوجه التحالفات التي يسعى "التيار الوطني الحر" لنسجها. فما هي المعلومات المُتوفّرة في هذا السياق؟.
على خط تحالفات "القوات" فهي تحرّكت من جديد على أكثر من خطّ، بعد أن كان التقارب بين كل من "تيّار المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" في الأشهر وحتى في الأسابيع القليلة الماضية، قد دفع حزب "القوّات" إلى التفكير في خيارات رديفة، تبدأ بالتحالف مع قوى وشخصيّات مُستقلّة وتصل إلى خوض المعركة بلوائح ذاتيّة. لكن في الساعات والأيّام القليلة الماضية، حصل خرق مُهمّ بين حزب "القوات" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" أفضى إلى الشروع في تركيب اللوائح النهائية لكل من دوائر "الشوف-عاليه" و"بعبدا" و"البقاع الغربي"، حيث سيتكاتف مُناصرو ومُؤيّدو كل من "القوّات" و"الإشتراكي" للتصويت للوائح مُشتركة بين الطرفين، من المُفترض أن تحظى أيضًا بدعم من مُناصري ومُؤيّدي "تيّار المُستقبل" الذي له وُجود فاعل في "الشوف"، وكذلك الأمر في "البقاع الغربي"، إضافة إلى وجود جزئي في بعبدا(1). والحَلحلة المُتقدّمة على خط "القوّات"-المُستقبل" والتي تأتي بعد مرحلة من التشنّج، عزّزت فرص التحالف بين الطرفين في دوائر أخرى غير المذكورة أعلاه، وفي طليعتها "بعلبك-الهرمل" حيث يسعى الطرفان لخرق لائحة "حزب الله". والحوار لا يزال قائمًا بين "القوّات" و"المُستقبل" بشأن كل من دائرتي زحلة و"صيدا جزين"، من دون إستبعاد أن تنعكس المناخات الإيجابيّة على دوائر أخرى، منها عكّار على سبيل المثال لا الحصر.
في المُقابل، وعلى خط تحالفات "التيار الوطني الحُرّ" فهي شهدت صُعوبات مُستجدّة في عدد من الدوائر على أكثر من خط. فمع "حزب الله" أثار تمسّك هذا الأخير بترشيح شخصيّة حزبيّة من البقاع عن دائرة "كسروان-جبيل" وإعادة الحديث عن دعم النائب إميل رحمة للمقعد الماروني في دائرة "بعلبك-الهرمل"، حفيظة "التيّار" الذي كان يرغب بمرشّح غير حزبي ومن شيعة جبيل لهذه الدائرة الصُغرى، وبأن تكون له الكلمة النهائية في تحديد المرشّح الماروني في "بعلبك-الهرمل". وليس بسرّ أنّ الأمور بلغت حدّ تسريب نواة لائحة مُستقلّة تضمّ مرشّح "الحزب" إلى جانب شخصيّات وقوى كسروانيّة، منها من كان حتى الأمس القريب ينتمي إلى "الوطني الحُرّ"، بموازاة اللائحة الأساسيّة المدعومة من "التيّار"، وبلغت أيضًا حدّ الحديث عن إمكان تحالف "الوطني الحُرّ" مع الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني في "بعلبك الهرمل" بوجه لائحة "الحزب"!.
وبالنسبة إلى الصُعوبات التي واجهت الإستعدادات التي كانت قائمة لنسج تحالفات إنتخابيّة بين "الوطني الحُرّ" و"المستقبل" في أكثر من دائرة، فأبرزها إصرار "التيار الأزرق" على ترشيح وليد مزهر عن جزّين في دائرة "صيدا جزين"، وعدم الإكتفاء بالمعركة على المقعدين السنّيين في صيدا، الأمر الذي رفضه "التيّار البُرتقالي" الذي يُواجه أصلاً صُعوبة في الإحتفاظ بمقاعده الثلاثة في هذه الدائرة، نتيجة الدعم الذي تلقاه اللائحة المُنافسة المدعومة من حركة "أمل" والتي تجمع بين المُرشّح إبراهيم عازار وأمين عام التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد. وفي دائرة عكّار، وقع الخلاف بين "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ" على المقعد الماروني الوحيد في هذه الدائرة، حيث أصرّ الأوّل على التمسّك بخيار النائب هادي حبيش الأمر الذي أحرج الثاني أمام أنصاره الذين يدعمون ترشيح جيمي جبّور بقوّة لهذا المنصب. وفي دائرة "البقاع الغربي" رفض "المُستقبل" ترشّح النائب السابق إيلي الفرزلي على لائحة مُشتركة مع "الوطني الحُرّ"-كما يُريد هذا الأخير. حتى أنّ خيار التحالف بين "الوطني الحُرّ" و"الحزب الديمقراطي اللبناني" والذي وُضع كخيار رديف لسُقوط إمكانات التحالف مع "الإشتراكي" ومع "القوّات" معًا، أو مع كلّ منهما على حدة، واجه أخيرًا صُعوبات مُختلفة، أبرزها رفض النائب طلال أرسلان سحب مرشّح له عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه كما يُطالب "التيّار" مروان أبو فاضل. وإضافة إلى علاقة "الوطني الحُرّ" السيّئة مع "تيّار المردة" ظهرت مشاكل بين "التيّار البرتقالي" و"الحزب القومي السوري الإجتماعي" الذي إمتعض من الضُغوط التي تُمارس عليه لسحب مرشّحيه لصالح "الوطني الحُرّ" في أكثر من دائرة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر "بيروت الثانية" حيث عين الطرفين على المقعد الإنجيلي(2). وفي دائرة "النبطيّة-مرجعيون-حاصبيا-بنت جبيل" إختلف "الوطني الحُرّ" مع "القومي" على المقعد المسيحي الوحيد المُخصّص لطائفة الروم الأرثوذكس، وكان لافتًا تموضع "حزب الله" إلى جانب "القومي" في هذه الدائرة.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ عمليّات "شدّ الحبال" طبيعيّة في مرحلة تحضير اللوائح، حيث يسعى كل طرف لتعزيز موقعه ولزيادة عدد مُرشّيحه وفرص فوزه، لكنّ اللافت أنّ "القوّات" نجحت تدريجًا في الخروج من "العزلة السياسيّة والإنتخابيّة" التي حاولت بعض الجهات وضعها فيها، بينما-وفي مُفارقة لافتة، تراكمت الصُعوبات والمشاكل بوجه تحالفات "الوطني الحُرّ" الإنتخابيّة مع الحُلفاء قبل الخُصوم!.
(1) يُوجد في الشوف وخاصة في إقليم الخروب أكثر 60000 ناخب سنّي، وفي البقاع الغربي نحو 68000 ناخب سني، وفي بعبدا نحو 10000 ناخب سنّي.
(2) رشّح الحزب "القومي" فارس سعد بينما رشّح "التيّار الوطني الحُر" القس إدغار طرابلسي.