قلة هم الذين يعرفون لماذا نحتفل بعيد المرأة العالمي في الثامن من آذار من كلّ عام، و ربما الغالبية تعتقد أن الغرب قد خصص هذا اليوم للاحتفال بالمرأة، وذلك بعد أن وصلت المرأة إلى مكانة لائقة وهو يريد أن ينشر هذا المفهوم بحيث تحذو الدول، والشعوب الأخرى حذوه. ولكنّ المفارقة هي أن هذا العيد قد استُحدث كي يتذكر العالم الظلم الذي لحق بالمرأة الغربية، والأميركية بالذات بسبب الوحشية الرأسمالية في استغلال قوة عمل البشر. ففي 8 آذار من عام 1908 قام أحد أصحاب مصانع النسيج بإغلاق أبواب المصنع على النساء العاملات، ثم قام بحرق المصنع بسبب إضرابهن عن العمل داخل المصنع لتحسين أجورهن. مما أدى إلى وفا ة كلّ النساء العاملات وعددهن 129 عاملة من الجنسيات الأميركية، والإيطالية، وهكذا أصبح هذا اليوم رمزاً، وذكرى للظلم الذي لحق بالمرأة، ومعاناتها من ظلم الاستغلال الرأسمالي. لو أنّ منشأ هذا الحدث في بلد آخر لسمع به العالم
برمته بكلّ تفاصيله. ذلك أن مفصلاً أساسياً من قوة الغرب، والولايات المتحدة بشكل خاص، يعتمد على تحكمها بالإعلام رغم ترويج اكذوبة أنّ هذا الإعلام حر بشكل مطلق، ولكن صدور ونشر أي معلومة، أو إخفائها، أو الترويج لها يتمّ حسب علاقة هذه المعلومة بالصورة التي يريدها الغرب لنفسه، أو لغيره حسب المصلحة الطبقية للنخب الرأسمالية الحاكمة، والحقيقة هي أن هذا الأسلوب الذي تتبعه الولايات المتحدة أسلوب فعّال، وقد تعلمته كلّ النظم الاستبدادية، وطبقته بما يضمن مصالحها، ومثال على ذلك هو الإعلام الإسرائيلي، وتوابعه مثل الإعلام القطري، والسعودية، الجزيرة، والعربية، وطبعاً كل أجهزة الإعلام الغربية، وآخر مثال الحديث عن المعاناة الإنسانية في الغوطة، والتعمية على المعاناة الإنسانية للملايين في غزه، وكفريا، والفوعة، واليمن، وعفرين، وهذا التحكم بالإعلام يعتمد على فكرتين اثنتين: الأولى هي عدم التذكير بكلّ ما قد يشكّل حرجاً للدولة، والنخب الحاكمة، والثاني هو الترويج لكلّ ما يمكن أن يشكل قيمة مضافة في أعين الداخل، والخارج.
بالنسبة للتاريخ السياسي للولايات المتحدة، والغرب عموماً فهو تاريخ نهب وحشي استعماري تمكنّوا من نهب ثروات الشعوب من أجل بناء بلدانهم، واقتصاداتهم، ومؤسساتهم بشتى الاختصاصات، ومع ذلك فهم يكتبون عن جهودهم في نقل العالم إلى المرحلة الحضارية التي يشهدها، وعن مساهماتهم القيّمة في نشر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. والغريب في الأمر أن المتضررين من هذا الاستعمار، والذين دفعوا أثماناً باهظة لا يسجلّون أيضاً تاريخه، ولا يساهمون بما يكفي في كشف إجراءاته العنصرية، والقمعية لشعوب الأرض. ربما لأن هذه الشعوب منشغلة بالمعارك المستمرة التي تخوضها بسبب مكائد الاستعمار، ومحاولة الخلاص من كلّ هذه المكائد التي تُدبَّر لها، وتأمين الحدّ الأدنى من السلام، والأمان، والعيش. ولكن هذا يترك التاريخ ليخطّه من ينهب، ويقتل، ويدمّر، وتتتالى الأجيال لتقرأ هذا التاريخ المنحاز من الإعلام السائد حالياً في العالم فلا تتعلم من تجارب الأجداد، والآباء، ولا تجد طريقة لتغيير هذا المسار الذي خطّه الأقوياء لأنفسهم، وللضعفاء، والذي لم يجرؤ أحد إلى حدّ اليوم على تغيير المعطيات، والمقدرات من أجل عكس هذا
المسار لصالح الشعوب المستضعفة، والتي لابدّ، وأن تتعلم من تاريخها كي تخطّ تاريخها الحقيقي الذي يليق بها، ويصبّ في خدمة مصالحها. وإذا ما أخذنا الوطن العربي كحالة للتمحيص في هذه المفاهيم التي أثرتها نجد أنّ الإعلام لدينا يهمل عناصر القوة للقيم الحضارية التي نمتلكها، ويركّز على النقاط التي نتشبّه بالغرب بها. بدلاً من أن يظهر عوامل القوة التي سبقت علاقتنا بالغرب بقرون، ويظهر على سبيل المثال لا الحصر المراكز، والمهمات التي تولتها المرأة العربية عبر التاريخ قبل أن تفكّر المرأة الغربية بالحرية، والحقوق. مثل هذا التاريخ إذا ما كُتب هو الذي يؤسس لفكر، وعمل مستقل، وهو الذي يُغذي الأجيال اللاحقة بجذورهم، وأصولهم، ويحصّنهم ضد محاولات التغريب، والهجرة. وعلّ طموح معظم الشباب العربي أن يهاجر إلى الغرب نابع من عدم تجذيره في تاريخه، وعدم وجود الفرص الحقيقية كي يبني على هذا التاريخ، ويطمح بأن يضيف إليه من فكره، وإنجازاته، وإبداعه.
لقد نجح الغرب إلى حدّ اليوم بتحويل أي معركة ميدانية، خاسرة كانت أو رابحة، إلى تاريخ رابح بالنسبة له يضيف إلى عناصر قوته، ويزيد من وهم العالم أنّ هذا الغرب
لا يُهزم أبداً، وأنه يمسك بزمام القوة، وأنه هو الأساس في تقدّم البشرية، وتحضّرها، وهذا نابع من الإجراءات المرنة والديناميكيات المتحركة التي وضعها الغرب لنفسه. فهو يؤمن بوضع سيناريوهات، وخيارات عديدة لكلّ مسألة، وإذا ما فشل الخيار الأول ينتقل للثاني، وإذا فشل الثاني ينتقل للثالث، وإذا تعذّر الوصول إلى الهدف المرسوم اليوم يبحث عن تحقيق ما يمكن تحقيقه من الهدف غداً، ويخطط لإنجاز المطلوب لاحقاً، وكلّ هذا مصحوب بإعلام مُحكم لا يدع للشك، أو لليأس مكاناً في قلوب المتابعين، والمهتمين. ما يفعله الغرب في هذا المجال هو أنه يخصص قسماً هاماً من الموارد للتعامل مع نتائج الحدث. فإذا كانت المعركة عسكرية، على سبيل المثال، يخصّص جزءاً هاماً من الموارد للتعامل السياسي، والإعلامي بعد المعركة العسكرية بهدف التغطية على جرائم الحرب التي ارتكبها، وجزءاً آخر لكتابة تاريخ المعركتين العسكرية، والسياسية بالشكل الذي يضيف إلى عناصر قوته، ويعززّ من صورته في أذهان الأجيال القادمة. وبالمفارقة فإن معظم دول العالم النامية تضع كلّ مقدراتها في معركة أو حدث ما، دون أن تنتبه إلى تأريخ هذا الحدث، وإظهاره إلى
الإعلام بالشكل الذي يجب أن تقرأه أو تراه أجيال المستقبل. ليس هناك ضيرُ أبداً أن يتعلم المرء حتى من أعدائه، وقد برهن أسلوبنا على مرّ العقود أنه قاصر عن إدراك نقاط قوتنا، والتغلّب على نقاط الضعف التي لمسناها في أساليب المعالجة. لماذا لا نتوقف قليلاً، وبدلاً من أن نفنّد نفاق الآخرين، وكذبهم، وجرائمهم، وعدم استقامتهم أن نتعلم منهم أساليب التحكم بالعمل. والقول وأن نسخّر هذه الأساليب لخدمة قضايانا، وخدمة الحق، وخدمة الحقيقة، وبهذا ندرأ عن أنفسنا نتائج نفاقهم، ونهمهم لنهب ثرواتنا، وننتصر لقضايانا بأساليب أكثر كفاءة ونجاعة.