كان المشهد في ساحل علما يوحي أن حزب "القوات" صار جاهزاً لخوض معركة رئاسة الجمهورية. اختيار الزمان في 14 آذار للاحتفال بإعلان اسماء مرشحي "القوات" للانتخابات النيابية، يؤكد أن "القوات" وحدها إحتكرت المناسبة في ظل عجز الآخرين عن مواكبتها. كانت كلمة رئيس حزب "القوات" سمير جعجع تبدأ من تحية "ثورة الارز"، للتمسك بها عنواناً اساسياً في زمن التفكك "الآذاري". أراد "الحكيم" شد العصب ترسيخاً لزعامة مشروع تخلى عنه حلفاء الأمس.
تدرجت كلمات المرشحين، لكن الرسائل التي تضمّنتها كلمة المرشح عن دائرة جبيل زياد حوّاط ضمناً ضد التيار "الوطني الحر" حظيت بإعجاب لافت وتصفيق "الحكيم". كانت كلمة حوّاط واضحة للإعلان ان الاشتباك السياسي مع "الوطني الحر" عاد من جديد. افتتح جعجع المنافسة بعناوين للمعركة، سيستكملها مرشحو "القوات"، ولن تتوقف بعد الانتخابات، نتيجة القياس المرتقب للاحجام وتبرير النجاح او الاخفاق، والهدف تحديد الشرعية التمثيليّة عند المسيحيين، تحضيرا لمقاربة الانتخابات الرئاسية.
أتت اشارة النائب ستريدا جعجع خلال إعلان كلمتها، لتؤكد الشك باليقين ان الهدف هو بعبدا. يحق لحزب "القوات" أن يطمح لإيصال رئيسه الى سدة الرئاسة الاولى. لكن هل استعجلت النائب جعجع بإشارتها من دون تنسيق مع "الحكيم"؟.
ما يؤكد النية القواتية على الاستعداد لخوض السباق الى رئاسة الجمهورية منذ الآن، هو مضمون كلام جعجع نفسه وباقي المرشحين. كان ينقصهم فقط رفع شعار: "صار بدا تا يوصل الحكيم على بعبدا". يرتكز الخطاب القواتي على الهجوم السياسي على التيار "الوطني الحر" بشكل أساسي من دون تسميته. بدا "البرتقالي" هو الخصم الأساسي لحزب "القوات". استحضار جعجع لملف الكهرباء والهجوم العلني على سياسات وزارة الطاقة القائمة على البواخر، مؤشر كاف لعنوان المرحلة المقبلة. ثم اتبع "الحكيم" تجييشه الرأي العام لانتخاب مرشحي "القوات" لا غير. أعطى حزبه الحصرية في التغيير والاصلاح الفعلي. لم يتحدث لا عن تفاهم ولا حلف ولا عن تقارب. وكأن "تفاهم معراب" صار حبراً على ورق. لم يكتف "الحكيم" عند هذا الحد، بل استحضر واقعة السعي لإبعاد "القوات" عن المشاركة بالحكومة. في كل خطابه، واشاراته، وابتساماته، اوحى جعجع بأن المعركة مع التيار البرتقالي بدأت. فهل تجرّ خطاباً تجييشياً مشابهاً عند العونيين؟.
في مؤشرات كلام جعجع قفز فوق حزب "الكتائب". لم يسمح "الحكيم" لرئيس الكتائبيين النائب سامي الجميل بالتفرد في قيادة الاعتراض ورفع الصوت. إقتحم جعجع المشهد دفعة واحدة: ضد "حزب الله"، والسباق مع "البرتقالي"، والقفز فوق "الكتائب" وعدم الاكتفاء بتجاهل تيار"المستقبل"، بل تكريس نفسه وحيداً يحمل مفاهيم ولواء "١٤ آذار"، مع ما تحمله هذه الاشارة من تداعيات في العلاقة الاقليمية والدولية مع القوى اللبنانية.
خطاب "الحكيم" يدشّن مرحلة جديدة، ستكون الانتخابات النيابية اول محطاتها في قواعد اشتباك جديدة.