منذ اليوم الأول لتوقيف الفنان زياد عيتاني بدأت الرواية تهتزّ بين أيدي الرأي العام. فما سارعت أجهزة أمنية الى تسريبه كان كوميدياً الى درجة أنه ضرب كل الأرقام القياسية لأفلام هوليوود، وكانت الركاكة في الرواية قد أدّت تدريجاً الى تحوّل الملف عبئاً على من تَولّوا التحقيق فيه.
من عميل خطير لـ»الموساد» الإسرائيلي الى «جامع معلومات» الى «مُجنّد ثقافي» هدفه حَضّ المثقفين والصحافيين على التطبيع، الى ساع للتقرّب من مستشاري وزراء، الى لا شيء.
أدّت الرواية المُسرّبة هدفاً في تهديد من وَردت أسماؤهم في اعترافات عيتاني المصوّرة. الكاتب مصطفى فحص تركَ لبنان لشعوره بأنّ ملفاً يتمّ تركيبه في حقه، وربما عرف من غَطّى هذه المحاولة. أمّا الآخرون فقد تلقّوا التهديد الثاني: رواية أخرى لا تقلّ ركاكة سُرِّبت عبر احد المواقع وتناقلتها كل وسائل الإعلام ومقدمة أخبار تلفزيونية قريبة من السلطة، تتحدث عن انّ «عملاء» آخرين سيتم توقيفهم قريباً، وكانت الرسالة واضحة.
لم يكن زياد عيتاني هو الهدف الوحيد، بل كان البداية. التحقيق الذي اعترف فيه خلال خمس دقائق كاد ان يَصل الى أن يتحمّل المسؤولية في اغتيال جون كينيدي، لكنّ التتمّات مذهلة.
بعد الاعتراف والاكتشاف إتصل مدير أمن الدولة العميد انطوان صليبا برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأعلَمه بتوقيف عميل إسرائيلي، فسارَع عون الى الاتصال بوزير الداخلية نهاد المشنوق مهنّئاً إيّاه بالنجاة من محاولة اغتيال، وكل ذلك جرى على إيقاع ضَخ إعلامي كثيف أدانَ عيتاني وأكّد عمالته، أمّا الأخير فاستمر لفترة طويلة معزولاً عن أهله ومحاميه وطبيبه.
كثيرون كانوا قد قرأوا التسريبات الأولى للتحقيق ولاحظوا أنّ الرواية لا يمكن تصديقها، منهم إعلاميّون كفداء عيتاني وإيلي الحاج اللذين كانا اول من أثارا قضية زياد، ومنهم من هو خبير في الأمن كاللواء أشرف ريفي الذي قال في دردشة مع الصحافي ثائر غندور: «هذه تشبه تحقيقات أبو كلبشة، فهي تفتقر الى الاحتراف وفيها كثير من الثغرات».
وبعد أن تأكد من انّ المعطيات الحقيقية تنفي بنحو قاطع رواية «كوليت» وإرسال المال، أعلن ريفي في مقابلة تلفزيونية ما يملك، وأتى ذلك استكمالاً لِما كتبه فداء عيتاني. ولاحقاً، أوصَل ريفي رسالة لمَن يعنيهم الأمر مفادها أنه اذا لم يجر تحقيق جدي فسيُعلن ترشيح عيتاني للإنتخابات في بيروت.
كانت شعبة المعلومات قد بدأت تحقيقها الأولي حول ملف عيتاني قبل ان يصل اليها الملف. هذه الشعبة التي كشفت بنجاح 33 شبكة اسرائيلية منها شبكات داخل «حزب الله»، قد وصلت الى معطيات تُبرّئ عيتاني، إذ تبيّن أن لا وجود لأيّ تواصل بينه وبين أي حساب مزعوم، وكانت الشعبة تنتظر نقل الملف لاستكمال التحقيق وهذا ما حصل بعد ان تسلّمه القاضي رياض أبو غيدا، في وقت كان الرئيس سعد الحريري قد أعطى وعداً قاطعاً بإعادة التحقيق وتسليمه لشعبة المعلومات ونفّذ وعده، فبعد مُمانعة مرجع سياسي نقل الملف الى هذه الشعبة.
بعد إخلاء سبيله، بَدا واضحاً أنّ عيتاني تعرّض لمكيدة إنتقامية دفعَ ثمنها ثلاثة أشهر صعبة، لكنّ الثمن الأكبر تَمثّل بفقدان الثقة بأداء الأجهزة الامنية، وتحديداً الجهاز الذي أوقف عيتاني، والذي صدرت عنه كل التسريبات الهوليوودية.
في أحد البيانات الامنية التي صدرت، تمّ التأكيد حرفياً على انّ عملية التوقيف أتت بعد تَعقّب استمر لأشهر، فهل فعلاً تمّ تَعقّب عيتاني لأشهر؟ وهل فعلاً أوقف عيتاني قبل أن تأتي «كوليت» ويكتمل النصاب؟ واذا ما أثبت القضاء تهمة الفبركة على المقدّم سوزان الحاج، هل سيعفي ذلك من محاسبة مَن حقّق مع عيتاني ومَن قدّم للقضاء تحقيقاً مفبركاً؟ وماذا سيحلّ بالاعترافات المصوّرة التي أريد منها تعزيز الملف فإذا بها تتحوّل إدانة دامغة لسلطة تعتبر أنها فوق المحاسبة؟.