"طار" وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون بتغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وغطّ مكانه مايك بومبيو رئيس وكالة المخابرات المركزية مغرّداً بالطبع من "أنّ أميركا أصبحت أكثر أماناً وهو يتطلّع لتمثيل شعبها أمام العالم" ليغطّ على رأس ال سي.آي.إي مكانه جينا هاسبل أول امرأة تتولى هذا المنصب في الولايات المتحدة (13/3/2017). و"طار" وكيل وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية والشؤون العامة، ستيف غولدشتاين بسبب تغريداته تعليقاً على إقالة وزير الخارجية.
عندما يغطّ عصفور "التويتر" الأزرق مغرداً، يطفو الريش في عنقه الدقيق ، وتلتئم عصافير الأرض من حوله بأشكالها وألوانها وزقزقاتها المختلفة لتقلّيده. تتعثّر الحناجرالصغيرة وتتداخل الأصوات وتعمّ الفوضى ويطغى مناخ بلبلة وعدم فهم وإبهام.
تلك هي حكاية عصفور الشرق التي حوّلها الشاب جاك دورسي في ال2006 حقيقة إتّصالية غربية تمكّنت من لغات العالم والعصر. لكن مهلاً !
يفترض التوضيح أنّ عصفور التويتر هو من اليابان وكوريا التي يحزم الرئيس الأميركي حقيبته إليها في نيسان المقبل، وكذلك هو عصفور من الصين وروسيا. ينتقل العصفور الشتاء إلى جنوب شرق آسيا وتحديداً فيتنام، وكمبوديا، وتايلاند وسومطرة !
ألا يفترض بنا التحديق إلى هناك لنصدّق التحولات، ونقرأ مناخات ربيع الدبلوماسية الأميركية الجديدة المتعددة الأوجه والتطلعات؟
كيف نربط بين الدراسات والتقارير والقمم والتوصيات وكلمات السر وتغريدات الحكّام ورؤساء الدول والسياسيين في العالم، في زمنٍ لم تخرج بلادنا من عنوانه أو ربيعه القاسي بعد، أعني" الفوضى الخلاقة"؟
قطعاً، نذهب إلى الأمكنة والألسنة كلّها. فعندما تتحول السياسات والعلاقات الدولية إلى تغريدات، ويصعب جمعها من السلال الضوئية لنرسم بها خرائط المقاصد والنوايا، تبدو اللمح المختصرة أو التلميحات التي يعجّ بها الفضاء وتفتن بها عيون البشر وتلهث وراءها وسائل الإعلام التقليدية وكأنّها تعشش في البيت الأبيض وبيوت القرار. التغريدة تعبير عالمي صحيح، لكنه تعبير لافت وظاهر في "تقديسه" للإقتصاد والقوة والسلاح ورسم المستقبل البعيد للعالم، وجعل المصالح سابقة دوماً لخطى الدول، وخصوصاً في الشرق الأوسط.
صحيح أن العديد من القراءات وردود الفعل جاءت حافلة بالخوف والتوجس والقلق العربي من متغيرات ترامب، لكن دروب المواءمة في سياسة أميركا الخارجية كانت
وعرة ومعلنة في أكثر من ملفّ خارجي أهمّها: الإتفاق النووي الإيراني وخطورة التمدد الإيراني في الشرق الأوسط عبر نفوذ طهران في سورية ومواجهة الخطر الروسي المستغرق في الشرق وكيفية مواجهته على كافة الأصعد، والأسلوب الأفضل لمعالجة ازمة كوريا الشمالية، ومواجهة الإرهاب في العالم الذي يتّخذ هوية مذهبية. إنّ الرئيس الأميركي يبدو أكثر تمكّناً من التحديق أمنياً نحو العالم من خلف المكتب البيضاوي الذي شقعت فوقه الكثير من الملفّات الشائكة الداخلية والخارجية، وهو لطالما تحمّل الكثير من الأرق مع وزير خارجيته السابق ومعاونيه شدّاً بين الدبلوماسية الناعمة والخشنة في مقاربة تلك الملفّات. كان زوج ابنته جاريد كوشنر اليهودي يتكفّل بها عبر الأدوار الدبلوماسية الخفية والفعّالة التي تجاوزت بتأثيراتها ما يرسم ويطفو حول المكتب البيضاوي، وخصوصاً في ملفات الشرق الأوسط التي أشار إليها عمّه ترامب بقوله:" "يلعب جاريد دوراً مهماً حتى لو كان غير ملحوظ في محاولة إحلال السلام في الشرق الأوسط".
قد يذكّرنا هذا الوضع بالسؤآل المطروح مع مغادرة أوباما البيت الأبيض :
هل هناك ما يمنع من أن يكون الرئيس الأميركي المقبل يهودي الأصل؟
يعيدنا السؤال إلى ولايتي الرئيس باراك حسين أوباما حيث كان إسم أبيه حسين حاضراً على الدوام في أدبيات "إسرائيل" والكثير من السياسيين في الغرب والعالم تدليلاً على النيل من جذوره الإسلامية في جاكرتا، وتمهيداً للمبالغة في إعلان فشله في سياسته الخارجية الى حدّ بان معه أوباما في الصحافة الإسرائيلية "أكبر كارثة بالنسبة ل"إسرائيل" إنصاعت خلالها أميركا لإيران وباكستان وأفغانستان.
يحيلنا هذا السؤال العفوي الى آخر:
وهل يشعر اليهود بحاجة الى رئيس يهودي يحكم البيت الأبيض؟ لا. لطالما هم أصحاب نفوذ متجذّر في الدوائر صاحبة القرار، ليس في أميركا وحسب ، بل في الكثير من المحافل الأوروبية والإقليمية ؟
نطرح هذين السؤآلين بتجدد المناخ أي الصراع النووي المسكون بالكثير من الخيال والمخاطر في شرق أوسط لم يخرج من ركامه وموعود بالهواجس والحسابات الإستراتيجية والمخاطر المتقاطعة بين الإرهاب المتنقل والدين والخروج من التفاهمات النووية بما يعيد طرح توزنات الرعب في المنطقة ومسألة تدفّق السلاح والصواريخ والبحث عن التكافؤ في القوة بين الأطراف المتصارعة إلى تجديد التأجج والحروب.
أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه