– غالباً ما تبرز مواقف الأطراف الدولية الفاعلة من نتائج الانتخابات الرئاسية في دولة محورية موازية، طبيعة وعناوين المواجهة الآتية. ومن نوعية المواقف الأميركية والأوروبية التي كان يمكن توقّعها لمواكبة مناخ المواجهة مع نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية والفوز الباهر للرئيس فلاديمير بوتين، كلام أميركي أوروبي يشكّك في الطابع الديمقراطي للانتخابات ويتّهم الحكومة الروسية بالتضييق على المنافسة الانتخابية ويتحدّث عن مخالفات جسيمة جرى تسجيلها ويصل للقول إنّ الروس اتخذوا الخيار الخاطئ بالتجديد لخيار التوتر بين روسيا والغرب، وأنّ نتيجة هذا التصويت ستنعكس سلباً على حياتهم، سواء بسبب العقوبات أو الأزمات التي تتّهم الرئيس بويتن بالتسبّب بها، وكان يمكن أن نتوقع تجاهلاً للجدل حول صدقية الانتخابات والاكتفاء بالقول إنّ التجديد لبوتين هو تجديد للحرب الباردة وسباق التسلّح والمزيد من الأزمات الدولية.
– جاءت المواقف الأميركية والغربية متجاهلة كلّ الكلام عن اعتبار المواجهة مع روسيا عنوان السياسة الدولية، وحلّ مكانها التبشير بالتعاون البناء مع الرئيس المنتخب بصورة وصفها الرئيسان الأميركي والفرنسي بغير المفاجئة. فقد كانت النتائج العالية للرئيس بوتين متوقعة، والتطلعات هي نحو تعاون مثمر لتحقيق المزيد من الإيجابيات على الساحة الدولية وساحة العلاقات الثنائية، حتى بيان مفوضية الاتحاد الأوروبي الخاص بتقييم الانتخابات الذي تحدّث عن مخالفات سجلها مراقبون أوروبيون، لكنه دعا السلطات الروسية للانتباه لها والعمل على تلافيها لاحقاً، بينما كانت دعوات الرئيس بوتين للتعاون في التحقيق في قضية مقتل المواطن الروسي سيرغي سكريبال في لندن، تلقى التجاوب من محاوريه الغربيّين تعبيراً عن نية بطيّ ملف القضية إيجاباً، خصوصاً ما تضمّنته من اتهامات لروسيا وللرئيس بوتين شخصياً.
– كلّ هذه الإيجابية لا تعني أنّ العلاقات الغربية الروسية ذاهبة للتعاون، ولا تعني نهاية ملفات الخصومة، بل تعني أنّ الكثير من التوتر التصعيدي الذي شهدناه خلال الشهر الأخير، كان مفتعَلاً لتخديم اللعبة الغربية تجاه الانتخابات الرئاسية الروسية وما عادت ذات جدوى بعد نهاية الانتخابات. والنتائج العكسية التي ترتبت عليها في صناديق الاقتراع، فقد كان هدف حملة الشيطنة والتصعيد والتهديد، التأثير على عنوانين حاسمين في الانتخابات، الأول هو نسبة المشاركة في الاقتراع التي كانت تأمل الجهات الغربية بأن تنخفض لما دون الـ 50 في المئة بعدما كانت 57 في المئة في الجولة السابقة، لترتفع رداً على اللعبة الغربية ومناخ التحدّي الذي صوّت خلاله الروس دعماً لرئيسهم، إلى 68 في المئة بزيادة نوعية مفاجئة وغير متوقّعة. أما الأمر الثاني الذي استهدفته الحملة الغربية فهو دفع المصوّتين نحو خيارات انتخابية أخرى ترفع نسبة ما يناله المنافس الأول للرئيس بوتين فيتقلّص الفارق بينهما، بحيث ينخفض التصويت للرئيس بوتين من 60 في المئة، كما كان متوقعاً إلى 55 في المئة وينال منافسه الأول 40 في المئة ليتأسّس على هذه الحصيلة، مشاركة بـ45 في المئة ونيل بوتين 55 في المئة منها وخصمه 40 في المئة تصوّراً لمواجهة مفتوحة بعناوين متعدّدة لما بعد الانتخابات. أما وقد جاءت النتائج عكسية فمع 68 في المئة من التصويت نال بوتين 77 في المئة من المصوّتين مقابل 12 في المئة لمنافسه الأول فصار كلّ استثمار في ما بعد الانتخابات هدراً بلا جدوى.
– ستهتمّ القوى المعنية بالانتخابات في لبنان والعراق بالمعاني التي قالتها الانتخابات الروسية وسيكون على جمهور المقاومة في البلدين رفع المشاركة الانتخابية إلى مستويات قياسية وإقفال فرص الخصوم بتحقيق نتائج تتيح التشكيك في حجم الغطاء الشعبي لخيار المقاومة. فهذه هي الأولوية الراهنة والمستمرّة.