على وقع التدخلات الرسمية المباشرة في الانتخابات النيابية والتهديدات التي ترافقها على غرار مرحلة النظام الامني تجري التحضيرات لهذا الاستحقاق الذي حدا بالقوى السياسية لخوضه دون عناوين جذابة كما في السابق لدغدغة مشاعر الناخبين واستقطابهم للتصويت لصالحهم.
كما أن طبيعة قانون الانتخاب الحالي تدفع بالقوى السياسية لنسج تحالفات متناقضة تفرض عليها التعايش مع الأخصام وإسقاط الشعارات السيادية والثورية والوطنية لتضحى الشعارات شبه الفارغة المرتبطة بالمزايدات هي عنوان اللوائح.
وفي ضوء ذلك الواقع، أنجزت التحالفات على وقع خلط الأوراق منذ ترشيح رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية ومن ثم تبنيه ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بعد ترشيحه من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بما أسقط داخليا يومذاك محوري 8 و14 آذار، فيما بقي محور الممانعة على استراتيجيته نائيا بذاته عن الاعتبارات التكتيكية لهؤلاء الأفرقاء.
وبدا واضحا أن تيار المستقبل والتيار الوطني الحر يتحالفان في الاستحقاق الانتخابي خلافا لما كان واقعا في العام 2009، بما فتح الباب حول الاجتهادات والتساؤلات عن دور السعودية كراعي إقليمي للتيار الأزرق والقوات اللبنانية اللذين سيتواجهان في مناطق عدة، بحيث يدور الكلام في تيار المستقبل بأن التحالفات المستجدة فرضها قانون الانتخاب الحالي ولاسيما الحماسة المسيحية المتمسكة باعتماد النسبية على ما يبلغ الرئيس الحريري المعترضين المسيحيين على هذا القانون من رجال دين وسياسيين، موضحا لهم ان الثنائي المسيحي هو الذي رفض صيغة القانون الأكثري لصالح هذا القانون الذي ستجري الانتخابات بموجبه.
وحيال تحالفات تيار المستقبل يأتي الكلام بأن اكثر الخاسرين وفق الصيغة الحالية هما تياري المستقبل والوطني الحر، بما يفرض على كل منهما السعي للحد من خساراته، ولذلك كان التلاقي في بعض المناطق دون أن يكون هذا الواقع تحديا مباشرا للقوات اللبنانية، «التي تحالفنا معها ومع الاشتراكي في الجبل، وكذلك في دائرة البقاع الشمالي، ولم نغلق الأبواب معها في دائرة عكار»، لذلك فإن التحالفات قائمة على رغبة كل فريق بتحصيل أكبر عدد ممكن من النواب، عدا عن ان القوات تضع شروطا في بعض المناطق تعيق احتمال التحالف معها كما هو الحال في زحلة، معقل الطائفة الكاثوليكية في لبنان والتي لديها رموزها السياسية داخلها «ما يفرض علينا أن نأخذها بعين الاعتبار وبين هؤلاء رئيسة الكتلة الشعبية ميريام اسكاف التي ترفض القوات ان تكون في عداد التحالف معها، في وقت لا يستطيع تيار المستقبل ببعده الوطني ولونه السني أن ينسج تحالفا مبعدا عنه رموزا كاثوليكية لأن ذلك سيشكل ردة فعل مذهبية».
ويبقى ثمة تساؤل لدى المستقبل حيال رغبة القوات الجامحة للتحالف مع التيار الأزرق أو الوطني الحر رغم اتهام كل منهما بالفساد، في وقت ترفع هي شعار الشفافية والمحاسبة، كما أن جعجع رشح ميشال عون وانجز التفاهم معه ويريد أن يحصّل مكاسب هذا التفاهم من حصة تيار المستقبل.
في المقابل، ترى القوات اللبنانية ان خطوات المستقبل تحمل تصفية حساب مع جعجع لمواجهته الأداء الحكومي الحالي وتحديدا ملف الكهرباء وما يحمل من مكاسب، مضيفة الى ذلك أداءه إبان أزمة استقالة الرئيس الحريري لتبرير تحالفها مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، بحيث يهدف المستقبل والتيار الوطني الحر لتطويق القوات وتقليص حصتها النيابية لينعكس ذلك على التشكيلة الحكومية حضورا وزاريا أقل من السابق كماً ونوعا، أي أنه بعدما كان للقوات منصب نائب رئيس حكومة وحقيبة مركزية هي الصحة، ستكون لديها حقائب ثانوية عدا عن ان تحجيم القوات سيؤثر على حضورها السياسي ويظهرها في حالة تراجع.
لكن القوات تعي ان ما يحصل هو محاسبة لها على مواقفها من الاداء الحكومي والفساد المعتمد وستخوض انتخاباتها بكل طاقاتها .لان الذي تواجهه ليس جديدا عليها وهي قد اجتازت تحديات اكبر ،لكنها تجد بان قواسم مشتركة سياسية تجمعها بتيار المستقبل
لكن طبيعة قانون الانتخاب الذي يفرض الانانية المفرطة تشكل تأثيراته حيّز قليل لعدم انسحاب تحالف تيار المستقبل والقوات على كافة الدوائر، بحيث يعكس قرار المستقبل الهامش الواسع الذي انتزعه الحريري من السعودية لأدائه ومواقفه السياسية بحيث بات هو ينصح الرياض لمهادنة محور الممانعة ما تتطلب الساحة اللبنانية من خطوات تحفظ الاستقرار وتبعد البلاد عن التوترات، لان الذي يحصل بين تياري المستقبل والوطني الحر هو تأسيس واقع نيابي جديد يستند الى تعايش بين كل من عون وباسيل من جهة والحريري ووليد جنبلاط من جهة اخرى طيلة العهد الحالي الذي على أساسه تشكل اللوائح مع ما يرافقها من مناورات وتجاذبات وتدخلات فوقية، حيث سيكون لباسيل كتلة نيابية ومستقلة عن مخلفات 8 و14 آذار.
لكن على صعيد التحالف غير المركزي او العام بين الثناىي الشيعي الممثل بكل من حركة امل وحزب الله والتيار الوطني الحر، بدا انه بعيدا عن دائرة جزين - صيدا التي يمتلك فيها رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري القرار الحصري في تحديد وجهتها ضد التيار الوطني، فان المواقف الحادة للوزير باسيل تجاه رئيس حركة أمل نبيه بري، لم تنسحب خلافا على كافة الدوائر، اذ يفاجىء زوار بري بسعة صدره فيما خص تفاعله مع مواقف باسيل، ليرد «بانه طالما أكد انه ليس لديه أعداء في لبنان بل اخصام سياسيين ويتقبل ويتفهم مواقفهم»
وإذ يلفت بري امام زواره بان مؤيديه في المتن الشمالي سيصوّتون للنائب ميشال المر، يجيب على الكلام حيال تاثيرات نتاىج الانتخابات النيابية على الاستحقاق الرئاسي «بان ليس هذا المجلس النيابي الذي سينتخب رئيس الجمهورية المقبل ...»