إن نجاح سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي انتهجها في ولايته الأخيرة، دفع بأكثر من 54 مليون مواطن روسي للتصويت لصالحه ايمانا منهم بجدارته في تحقيق اسس الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الاستراتيجية الدفاعية.
عمل بوتين منذ انتخابه رئيسا في العام 2000 على تحصين الداخل الروسي، فإنكب على تحسين الوضع الاقتصادي عبر مكافحة الفساد وتقليص نفوذ المافيات ودعم القطاعات الإنتاجية ما أدى إلى تحقيق نمو إقتصادي غير متوقع، وأعاد نهوض روسيا من جديد، وبالتالي انعكس هذا الأمر انزعاجا عند القوى الغربية التي خلقت حربا بالوكالة مع روسيا عبر جورجيا وأوكرانيا.
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث والمحلل السياسي حسن شقير لـ"النشرة" أن "روسيا من خلال هذه الانتخابات أظهرت أن الشعب الروسي ليس راضيا وحسب عن السياسة الداخلية والخارجية لبوتين، إنما اعطاه تفويضا بإكمال هذه السياسة، لأنه أخرج روسيا من عنق الزجاجة، من خلال تعزيز الإقتصاد والانعتاق من سباق التسلح، وانطلق الى الدور العالمي، وأعاد روسيا الى قطبيتها".
ويرى شقير أن "هذه الإنتخابات دفنت نظرة الناتو الى روسيا حول ضرورة التحاقها بالحلف، بعد أن عمل بوتين على تعزيز علاقة بلاده بالإتحادات الإقتصادية كـ"البريكست وشنغهاي"، مذكراً بأن "بوتين كان قد أكد خلال خطاب الإنتصار أنه سينفتح على العالم، وسيمد يده من باب الندية الى أوروبا".
وعلى صعيد الدفاع، كان هاجس بوتين الأول بعد النهوض الإقتصادي تجهيز جيشه وإعادة بنائه من جديد للتمكن من التصدي للمخططات الغربية والعودة بروسيا قوية عسكريا على الساحة الدولية.
وهنا، يعرب شقير عن اعتقاده أن "استراتيجية بوتين الجديدة هي أن النظام العالمي الجديد يجب ان يقوم على تعدد الأقطاب، لأنه لن يرضى بالعودة الى الثنائية، وسيتخذ إجراءات بوجه الدولارية وسيجعل التبادل بالعملات المحلية"، معتبراً أن "الغرب لا شك أنه سيقرأ هذه الإنتخابات برؤية مختلفة، لأن بوتين مصر على استكمال الملفات التي بدأ فيها بنجاح". ويشدد على أن الرئيس الروسي سيعمل على تثبيت وحدة الدولة القطرية ولا تراجع بهذا الموضوع"، مؤكداً أنه "لن يتوانى في الحفاظ على حلفاء روسيا أقوياء وأي إعتداء نووي سيقابل بالرد المماثل، وبذلك رسم الخطوط الحمراء أمام أعدائه".
لا شك أن سياسة بوتين الخارجية الفذة في ولايته الأخيرة ساهمت برفع شعبيته، بعد أمره بالسيطرة على شبه جزيرة القرم لما لها من أهمية استراتيجية جراء تموضعها في البحر الأسود، على مقربة من مضيقي البوسفور والدردنيل إذ يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط، إضافة الى تدخله العسكري المباشر في الشرق الأوسط ووقوفه بوجه الأميركيين ومحاولة فرض معادلة دولية جديدة تكللت بخطوط حمراء أمام الأميركي في الملفّ السوري، حيث أن هذين الحدثين أعادا الروس بشكل رسمي الى لعبة الأمم.
وفي هذا السياق، يشير شقير الى أن "رئيس روسيا دخل الى الشرق الأوسط وقدم نموذجا فعليا مميزا في مكافحة الإرهاب يختلف عمّا طرحته كل القوى العالمية، وحقق نتائجا مهمة".
ها نحن اليوم نقف على عتبة ولايته الثانية نترقب استكمال المشهد النهائي لعودة روسيا بشكل مختلف على الساحة الدولية كلاعب قوي يفرض المعادلات والتوازنات على مختلف الملفات والقضايا الدولية والاقليمية خصوصا بعد بنائه شبكة تحالفات متينة واسعة. انطلاقا من هناان بوتين استفاد من تجربة الاتحاد السوفياتي وأخطائه، لذلك لن يدخل بالتجارب الفاشلة التي أدت لإندثار الإتحاد، وسيمنع محاصرة روسيا إقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا وسيحافظ على ما أنجزته روسيا حتى الآن.