في كل مرة تعتقد فيها أجهزة الأمن الصهيونية ومعها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بأنه قد تم السيطرة على الوضع الأمني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ونجح التنسيق الأمني المشترك في منع حصول عمليات فدائية جديدة، بعد عمليتي نابلس وجنين ومطاردة الشهيد البطل أحمد جرار لمدة ثلاثة أسابيع قبل تمكن بعض العملاء من تحديد مكانه وإبلاغ أجهزة أمن الاحتلال عنه مما أدى إلى محاصرته وخوض معركته الأخيرة واستشهاده.
منذ ذلك الوقت ساد نوع من الهدوء في عمليات المقاومة دفع أجهزة الأمن الصهيونية والفلسطينية إلى الاعتقاد بأن الأمور باتت تحت السيطرة وان موجة العمليات والمواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال، التي حدثت في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد وضعت أوزارها، وساد شعور بأن ما حصل كان مجرد ردات فعل غير منظمة وغير مسيطر عليها سرعان ما انتهت وتوقفت.
لكن ما حصل في الأسبوعين الماضيين من تنفيذ المقاومين الفلسطينيين سلسلة عمليات، شملت غزة والضفة والقدس المحتلة، بدد هذا الاعتقاد واسقط الرهان الصهيوني على توقف العمليات، وكشف عجز التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الصهيونية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها بالسيطرة على الوضع الأمني ومنع حصول عمليات جديدة.
على أن العمليات الجديدة، التي نفذت مؤخراً، تميزت بخصائص وسمات جديدة هي:
أولا: شموليتها مناطق عديدة ومتباعدة من غزة إلى جنين في الضفة الغربية وصولا إلى القدس المحتلة ما يؤشر إلى جهوزية لدى المقاومين وقدرة على تنفيذ العمليات في كل المواقع والمناطق وفي ظروف مختلفة.
ثانيا: استخدام المقاومين وسائل وأساليب متعددة، في كل عملية، تعكس التنوع في أساليب المقاومة في مواجهة الاحتلال، ففي غزة جرى زرع عبوة ناسفة على السياج مع القطاع بطريقة مبتكرة أوقعت دورية لجيش العدو في شركها وبالتالي تفجيرها بدورية عسكرية مما أوقع قتلى وجرحى بين الجنود الصهاينة، أما في جنين فقد جرت عملية دهس لجنود العدو ومقتل جنديين صهيونيين، وفي القدس المحتلة نفذ مقاوم هجومه بطعن حارس أمن صهيوني قبل أن يستشهد برصاص جنود الاحتلال.
ثالثا: نوعية العمليات واختيار الأهداف والأماكن لتنفيذها يبرهن عن تطور في أداء المقاومين من نواحي التخطيط والدقة في التنفيذ وتحديد الهدف، وهذا ما ظهر من خلال نجاح المقاومون في تنفيذ عملياتهم وتحقيق الأهداف المحددة لها من ناحية، وكذلك في اختيار أهداف عسكرية وجنود وحراس امن من ناحية ثانية، مما يدلل على وعي وانتقال إلى مستوى جديد في جعل المقاومة هادفة من وراء عملياتها بالتركيز على جنود العدو وجسمه العسكري الذي يمارس الإرهاب والقمع والاعتقالات والتعسف بكل صنوفه ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وهذا التركيز على ضرب جنود العدو يسهم في جعل المقاومة تحظى بالمزيد من التأييد والدعم ويضعف من قدرة العدو على تشويه صورة المقاومة لدى الرأي العام العالمي عندما تكون العمليات قد استهدفت المستوطنين من غير العسكريين.
هذا التطور في أداء المقاومين، وعودتهم إلى مفاجئة الاحتلال بعمليات نوعية أكثر قوة وفعالية من العمليات التي سبقتها، أدى عمليا إلى تحقيق العديد من النتائج أهمها:
النتيجة الأولى: كشفت عجز التنسيق الأمني بين أجهزة أمن الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية، وان هذه الأجهزة لم تعد قادرة على منع حصول العمليات أو المعرفة بها قبل تنفيذها نتيجة عدم قدرتها على امتلاك معلومات أمنية مسبقة، وهذا ينم عن تبلور مقاومة جديدة بعيدة عن أعين الرقابة الأمنية وليس لدى أعضاءها أرشيف أمني أو ارتباط بحركات المقاومة المعروفة والتي تراقبها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بوساطة عناصر أمنية تعمل لصالحها من داخل هذه الحركات، ولهذا كان يوجد إنذار مسبق عندما يكون هناك أي تخطيط أو استعداد للقيام بأي عملية ويجري العمل على إجهاضها قبل حصولها عبر اعتقال العناصر التي ستقوم بتنفيذها، أما اليوم فان هذا الانذار المسبق لم يعد موجوداً.
النتيجة الثانية: إعادة إحياء أجواء ومناخات القلق داخل أجهزة الأمن الصهيونية والخشية لديها من أن تكون هذه العمليات مقدمة لموجة جديدة من التصعيد ليس فقط مع قطاع غزة وإنما أيضا في الضفة والقدس المحتلة وغيرها من مناطق فلسطين المحتلة، حيث ترى المؤسسة الأمنية الصهيونية أن مستوى اللهيب يرتفع يوميا وما يحصل إنما هو البداية.
انطلاقا مما تقدم فإن الأيام المقبلة تؤشر إلى أن المقاومة والانتفاضة، التي لم تتوقف وان تراجعت أحيانا، مقبلة على مرحلة من التصاعد والتأجج لاسيما مع اقتراب احياء يوم الأرض في 30 آذار وكذلك دنو ذكرى اغتصاب فلسطين في 15 أيار وهو الموعد الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، حيث من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى اشتعال المواجهات الشعبية مع قوات الاحتلال، وتوافر المناخات المواتية لتنفيذ عمليات فدائية جديدة تستهدف جنود الاحتلال.