تحت شعار "الغاية تُبرّر الوسيلة" وهو المَفهوم السياسي الذي أطلقه مُؤلّف كتاب "الأمير" الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيافيلي قبل نحو 500 سنة، نسجت بعض القوى والأحزاب والشخصيّات السياسيّة في لبنان تحالفات إنتخابيّة أقلّ ما يُقال فيها إنّها غريبة وعجيبة، وتهدف فقط إلى تحقيق غاية الفوز بأكبر عدد مُمكن من النوّاب، بعيدًا عن المبادئ! والأمثلة كثيرة وسنتوقّف عند بعضها.
"التيّار الوطني الحُرّ" الذي تخلّى عن 9 من نوّابه بالإجمال، وإستبدل كامل نوّابه في كسروان بالتحديد(1) كان أكثر الجهات التي دخلت في تحالفات غير مبنيّة على رؤية سياسيّة واضحة، حيث أنّه سيُنافس مُختلف الأحزاب المسيحيّة من دون أي إستثناء من "القوات" مُرورًا بكل من "الكتائب" والأحرار" و"الكتلة الوطنيّة" وُصولاً إلى "المردة"، بشكل جعله من دون أي حليف حزبي مسيحي في أي دائرة. وكان لافتًا أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" لم يجتمع إلى جانب حليفه الشيعي "حزب الله" بشكل جدّي، سوى في دائرتي بعبدا و"بيروت الثانية"، بينما يتواجه وإيّاه في العديد من الدوائر الأخرى، من "زحلة" مُرورًا بدائرة "صيدا-جزين" وُصولاً إلى "كسروان-جبيل". وإذا كان "التيّار الوطني الحُرّ" قد تحالف في السابق مع الحزب "القومي السوري الإجتماعي" فإنّ تحالفه معه هذه المرّة جاء كاملاً في بعض الدوائر كما في المتن، وضُدّه في دوائر أخرى عدّة. والمُفارقة اللافتة أيضًا أنّ "الوطني الحُرّ" دخل في تحالف مع "الجماعة الإسلاميّة" في دوائر عدّة، من عكّار إلى "صيدا-جزين"، الأمرالذي شكّل سابقة لفتت خُصوم وحُلفاء "التيّار" في آن واحد، نظرًا إلى مواقف "الوطني الحُرّ" السابقة من كل ما يمت بصلة إلى "الإخوان المُسلمين" وفكرهم والأحزاب التي تدور في فلك عقيدتهم. كما أنّ تحالف "التيّار" مع رئيس "حركة الإستقلال" ميشال معوّض عكس حجم الخُصومة التي باتت تُخيّم على علاقته مع "المردة"، علمًا أنّ هذا الأخير مدّ يده إلى النائب بطرس حرب في خطوة لا تقلّ غرابة، وذلك لمُواجهة خصمه التاريخي "القوات" وبمُواجهة خصمه المُستجدّ "الوطني الحُرّ". والإنتقادات التي طالت "التيّار" تركّزت أيضًا على إستعانته بعدد كبير من المُتموّلين ورجال الأعمال، ليس فقط من خارج دائرة "المُحازبين" المُباشرين، بل أيضًا من خارج دائرة "العَونيّين" ككل، حيث حلّ مثلاً سركيس سركيس مكان النائب نبيل نُقولا في المتن، والمرشّح فريد البستاني على حساب المرشّح غيّاب البستاني في "الشوف-عاليه"، إلخ.
"تيّار المُستقبل" أسقط من جهته تحالفه السابق مع أحزاب قوى "14 آذار" السابق، وبالتحديد مع الفريق الأقوى ضُمنها أي حزب "القوّات اللبنانية"، حيث قرّر مُواجهة لوائح "القوات" في أكثر من دائرة، وحتى في دائرة "بشرّي-الكورة-البترون-زغرتا" التي تُعتبر عرين "القوّات"، مُستثنيًا ثلاث دوائر فقط، هي: عكّار بعد أنّ قبلت "القوات" بالحُصول على مقعد واحد على لائحة "المُستقبل" في مُقابل رفض "التيّار الوطني الحُرّ" ذلك، و"بعلبك-الهرمل" حيث نسج "المُستقبل" تحالفًا مع "القوّات" بحكم الضرورة لمُواجهة "حزب الله" في هذه الدائرة، من دون أن ننسى "الشوف-عاليه" حيث كان للحزب التقدمي الإشتراكي الدور الأكبر في الجمع بين الحليفين السابقين، أي "المُستقبل" و"القوّات". كما أنّ الخلافات على الحصص أفشلت التحالف بين "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" في الكثير من الدوائر باستثناء دوائر "الكورة-البترون-بشرّي-زغرتا"و"زحلة" و"النبطيّة-مرجعيون-حاصبيا-بنت جبيل"،وكذلك "بيروت الأولى" حيث يتحالف "المُستقبل" الذي يدعم مُرشّحًا أرمنيًا مع "الوطني الحُرّ" بينما يُنافسه هذا الأخير بشراسة في"بيروت الثانية"، أي الدائرة التي يترشّح فيها رئيس الحكومة سعد الحريري شخصيًّا. والتنافس الإنتخابي بين "المُستقبل" و"التيّار الوطني الحُرّ" يشمل أيضًا دوائر عكاروالبقاع الغربي و"صيدا - جزين"، وغيرها.
"حزب الله" هو الأكثر إلتزامًا بلوائح حزبيّة وبتحالفات سياسيّة، حيث تبنّى أو دعم لوائح ضُمن الخط المُؤيّد لمحور "المُقاومة" فقط لا غير، لكن كان مُستغربًا عدم وقوفه على مطالب "الوطني الحُرّ"، أقلّه في "كسروان-جبيل" مُفضلاً خوض معركة مع حليفه الذي يُواجه أصلاً لوائح منافسة عدّة أخرى. وبالنسبة إلى حزب "القوّات اللبنانيّة" فهو شبك تحالفات موضعيّة مع "المُستقبل" و"الإشتراكي" في بعض الدوائر، كما كان الحال عليه في إنتخابات العام 2009، ودخل المعركة وحيدًا ومع مرشّحين مُستقلّين في دوائر أخرى، مُنسجمًا مع قناعاته السياسيّة. وكان لافتًا أنّ حزب "الكتائب اللبنانيّة" الذي كان أعلن المعركة ضُد مُختلف القوى الموجودة في السُلطة حاليًا، عاد ونسج تحالفات إنتخابية مع "القوّات" في كل من زحلة وبيروت الأولى و"صيدا-جزّين" و"بشرّي-البترون-الكورة-زغرتا"، بهدف تأمين "الحاصل الإنتخابي" وحتى لا يكون مُستفردًا في المعارك الإنتخابيّة التي يُتوقّع أن تكون شرسة.
وليس بالأمر العادي أو الطبيعي أيضًا رؤية مجموعة من النوّاب الذين كانوا حتى الأمس القريب في صلب "التيّار الوطني الحُرّ" مثل جيلبرت زوين ويوسف خليل على لائحة أساسيّة منافسة للتيّار في كسروان، ولا رؤية مسؤولين سابقين في "التيّار" مثل زياد عبس ونعمان مراد وغيرهما على لوائح مُنافسة للتيّار أيضًا. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رؤية نائب "المُستقبل" في المنية كاظم الخير ينتقل إلى لائحة منافسة للأزرق بقيادة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.والنكايات ظهرت من قبل "الحزب الديمقراطي اللبناني" الذي دخل في تحالف مع "التيّار الوطني الحُرّ" و"المُستقبل" لمُنافسة لائحة مدعومة من "الثنائي الشيعي" وتضم أنور خليل عن الدُروز والمرشّح القومي أسعد حردان، حيث يرغب النائب طلال أرسلان بردّ الصاع صاعين للتناغم بين حركة "أمل" والحزب التقدمي الإشتراكي في أكثر من مكان من بيروت إلى حاصبيا، ويرغب "التيّار الوطني الحرّ" في الرد على حركة "أمل" التي تُحاول خرق لائحته في "جزيّن" وكذلك بالوقوف بوجه الحزب القومي الذي يُزاحمه على أكثر من مقعد في دوائر مختلفة، على الرغم من التحالف بينهما في العديد من المناطق. كما أنّ مرشّحي ما أطلق عليه إسم "المُجتمع المدني" توزّعوا على عشرات اللوائح في مختلف أنحاء لبنان، في دليل على إنقسامهم وتفرّقهم، حتى قبل أن يصبحوا نوّابًا، علمًا أنّهم كانوا بنوا إنتقاداتهم للسُلطة على إنقساماتها وتشرذمها.
وفي الختام، لا شكّ أنّ سلبيّات قانون الإنتخابات الجديد بدأت تتظهّر تباعًا، وهي مُرشّحة لبلوغ ذروتها عند إحتساب النتائج التي لن تكون عادلة في بعض جوانبها بسبب إرتباط الفوز بالمقاعد المذهبيّة المُحدّدة العدد في كل دائرة!
(1) هم كل من نعمة الله أبي نصر، فريد إلياس الخازن، جيلبرت زوين، يوسف خليل، عباس هاشم عن كسروان، وكل من نبيل نقولا وسليم سلهب وإدغار معلوف عن المتن، وعصام صوايا عن جزين.