ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رتبة الغسل في سجن رومية مشيرا في عظته، الى ان "في مثل هذا اليوم، منذ ألفي سنة، قام الرّب يسوع بفعل محبّة وتواضع كبيرين: فعل المحبّة هو بتأسيس سرّ القربان ليكون استمراريّةً لذبيحة ذاته فداء عن خطايا جميع البشر على مدى التّاريخ، وليكون طعام جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر، لحياة العالم، وهو أيضًا بتأسيس سرّ الكهنوت لخدمة القربان. أمّا فعل التوّاضع فهو غسل أرجل التّلاميذ، من بعد أن أقامهم كهنة العهد الجديد".
واضاف الراعي ان "يسعدنا أن نحتفل معكم، هنا في سجن روميه، جريًا على عادتنا في كل سنة، بعشاء الرّب القرباني وبرتبة الغسل، مع المرشديّة العامّة للسجون في لبنان التّابعة للجنة "عدالة وسلام" المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك. فأحيّي رئيسها سيادة المطران شكرالله نبيل الحاج والمرشد العام الجديد الخوري جان موره والمرشدين المحلّيين وكل المعاونين من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين.ونحيي الأب إيلي نصر، المرسل اللبناني، المرشد الإقليمي لمحافظتي بيروت وجبل لبنان، ومنسّق مرشديّة السّجون في الشّرق الأوسط. وأعرب عن شكري للخوري جوزف العنداري المرشد العام السّابق، على كل الجهود والتّضحيات الّتي بذلها في هذه الخدمة.
ويطيب لي أن أحيّي المسؤولين العسكريين الحاضرين: العميد جوزف الحلو قائد الدّرك، والعميد مروان سليلاتي قائد منطقة جبل لبنان، والعقيد محمّد الدْسُوقي قائد سريّة السّجون والعقيد زياد مراد قائد موسيقى قوى الامن الداخلي، والرّائد إيهاب أبي غنّام آمر سريّة المحكومين. وأشكرهم هم وجميع العسكريين وسائر الموظّفين والعاملين في هذا السّجن وسواه من السّجون اللبنانيّة والعمل الراعوي في جامعة الروح القدس – الكسليك.
وأعرب عن تقديري لما تمّ من إنجازات وأبنية في هذا السّجن من أجل تحسين أوضاع المساجين، وأخصّ بالذّكر إنجاز مكتبة الأحداث الّتي تحقّقت في مبنى الأحداث بدعم من منظّمة "الرّؤية العالمية" مشكورة. وقد تمّ تدشينها في 19 آذار الجّاري بحضور السّيدة اللبنانيّة الأولى ناديا عون".
ورأى الراعي "انه تبقى حاجات ملحّة نوصي بها لدى الوزارات المعنيّة وهي:
الاكتظاظ الكثيف في السّجون وَهُوَ مِنَ المشاكِلِ الكَبِيرَةِ الَّتي يُعاني مِنْهَا السُجَناء. فمن الضّروري بمكان المُباشَرَة بتَلزِيمِ بناءِ السِجْنَين المركَزِيَّين اللّذَيْنِ أقَرَّتهُما الحكومَةُ اللُّبْنانيَّةُ مُنْذُ سَنَوات، في الشمال والجنوب، ولمْ تُنَفِّذهما إلى الآن.
القضاء: الّذي يستدعي تسريع المحاكمات والإسراع في بتِّ الأحكام، وزيادةِ عَدَدِ القضاةِ. ويُطلب إيقاف التدخُّلِ من قبلِ الأحزابِ وأصحابِ السلطةِ والنفوذ، منْ أجلِ إحقاقِ العدلِ والحقّ من دونَ ان يظلم أحد. ونوجّه النّداء إلى المحامين كي يُحكّموا ضَميرهم المِهَنِيّ. فرسالتهم تقومُ بالدّرجةٍ الأولى على الدّفاعِ عن حقوقِ السجِينِ وليسَ ابتِزازُه.
حقوقِ المسَاجين المطلوب احترامها بحَسَبِ ما تُقِرُّهُ القوانينُ الدوَليَّة، وبخاصَّة من ناحيةِ عدمِ استعمالِ العنف إنْ في التحقيقاتِ أم في داخلِ السجونِ أحيانًا، وتأمين المستلزمات الأساسيّة والضروريّة للحفاظِ على كرامةِ السجينِ الانسانيّة.
أمّا الجمعيّاتِ الّتي تُساعِد المساجين، ففيما نشكر لها خدمتها، نرجو منها: الحفاظ على الصدقِ والشّفافيّةِ في التعاملِ مع قضايا السجناءِ وعائلاتهم؛ وَعَدمَ اسْتِغلالِ المساجِينِ على أيِّ صَعيدٍ كان لِلوُصُولِ الى غاياتٍ وَمَنافِعَ شَخصِيَّة. وفي المناسبة يُرجى تَوحيدِ الجُهودِ مِنْ قبل الوِزاراتِ المعنيّة والمنظّمات التي لا تَبْغِي الرِّبْحَ، من أجل دَعْمِ السَّجينِ قَضائيًا وَاجْتِماعِيًا وصِحِيًّا، وعائليًّا، فمنَ المهمِّ جدًّا تأمين التواصلِ والوسائلِ الملائمةِ والآمِنةِ بينَ العائلةِ والسجناءِ بالحفاظِ أولاً وآخرًا على كراماتهم.
قام عن العشاء وغسل أرجل التّلاميذ" (يو 13: 4-5). في ذكرى هذا الحدث التّاريخي الكبير، نقيم هذا الاحتفال. هو المسيح نفسه، الكاهن الأزلي، المتمثّل في شخص الكاهن يقوم بهذا العمل المقدّس. وأنتم أيّها السّجناء الاثنا عشر تمثّلون تلاميذ المسيح، ومن خلالكم يتمثّل كلّ المساجين في سجن روميه وفي سائر السّجون اللبنانيّة. هو المسيح من خلال هذه الليتورجيا الإلهيّة ورتبة الغسل يزوركم، وهو القائل: "كنت سجينًا فزرتموني" (متى 25: 36 و 43). وعندما سُئل متى كنت سجينًا وزرناك؟ أجاب: "كلّ مرّة فعلتم ذلك لأحد إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي فعلتموه" (متى 25: 40).
وختم الراعي عظته بالقول: "أنتم، أيّها السّجناء، بالنّسبة إلى السّيد المسيح "إخوته الصّغار"، لا بالجّرم الّذي ارتكبتموه، كبيرًا كان أم صغيرًا، بل بالألم والوجع الجسدي والمعنوي الّذي تعيشونه وراء القضبان وفي ظلمة السّجن. فالمسيح الّذي لم يرتكب خطيئة حمل خطايا العالم، وكفّر عن خطايا وشرور جميع النّاس على مدى التّاريخ، وتضامن مع المتألّمين، وأنتم منهم، لكي يقدّس آلامهم ويعطيها قيمة فداء، ولكي يعلّمنا كيف نتألّم ونحمل وجعنا، ونجعله مناسبة ووسيلة لتقديس ذواتنا، وإعادة النّظر في مجرى حياتنا، واتّخاذ مقاصد صالحة". إنّنا نقدّم هذه الذّبيحة المقدّسة من أجلكم، ومن أجل كلّ السّجناء، في جميع السّجون، ونصلّي كي تفيض عليكم وعليهم نعم هذا العيد، وكي تسارع العدالة في بتّ قضاياكم، وتكون سنوات سجنكم قصيرة، ولكن غنيّة بالتّوبة من القلب والمقاصد الصّالحة. ونصلّي لكي، من بعد استعادة حرّيتكم، تستطيعوا استعادة صيتكم الحسن، وتشقّوا طريقكم نحو الاندماج في مجتمعاتكم.