يتساءل المرء عن السبب الذي يدفع رئيساً اميركياً سابقاً يدعى جيمي كارتر ان يصرخ محذراً من خطوة اقدم عليها الرئيس الاميركي دونالد ترامب بأنها "كارثة على الولايات المتحدة". الخطوة باتت معروفة وهي تعيين جون بولتون مستشاراً للامن القومي، اما الكارثة فليست معروفة بعد، ولكن وفق ما يمكن تتبعه فإن السبب واضح والتاريخ لا يكذب.
ينحو كارتر منذ سنوات طويلة الى اعتماد حلول تقوم على الحوار والتواصل مع الآخر بدل اللجوء الى القوة والتدمير، وقد تكون تجربته سمحت له بالوصول الى هذه الخلاصة، وهو لا يفوّت فرصة كي ينشر معتقده هذا اينما حلّ. وليس من السهل بأن يصرخ كارتر بما يمثل وما يمثل، محذراً مما سيحصل جراء تعيين بولتون، والاهم ان تحذيره توجّه به الى الولايات المتحدة وليس الى العالم. من المعروف ان بولتون هو رجل يميل الى اعتماد الحروب، وما على المرء الا البحث عن اسمه ليرى دوره في تزكية الافكار الداعية الى اعتماد الضربات العسكرية ان في الدعوة لغزو العراق، او في مشكلة كوريا الشمالية او في الازمة مع ايران، فيما كانت "ذروة افراحه" في الحرب التي شنت على لبنان عام 2006، الا ان النتيجة لم تصب في الخانة التي كان ينتظرها. ولمن يعتبر هذا الكلام فيه شيء من التحيز، فنحيله الى ما قاله رئيس الاركان الاسرائيلي السابق شاوول موفاز في 25/3/2018 حول جهود بولتون "إقناعي بأن إسرائيل يجب أن تضرب إيران".
بالتالي، لا يأتي تحذير كارتر من المجهول، والخطوة التي قام بها ترامب إن دلّت على شيء، فعلى رغبة منه بإحاطة نفسه بأناس يصفقون لكل ما يقوله ولا يعارضونه حين يرغب في القيام بأمر ما. وعلى الرغم من النتائج المأساوية لمثل هذه القرارات على العالم، الا ان تحذير كارتر من "كارثة على البلاد" امر في محله ايضاً لاكثر من سبب. فهو كارثي على ترامب نفسه والادارة الاميركية وهذا مبني على تجربة سابقة حصلت خلال عهد جورج بوش الابن حين احاط نفسه بالاشخاص الذين دفعوا الى زعزعة المنطقة بأسرها عبر غزو العراق، وهو امر دفع ثمنه بوش والادارة الاميركية غالياً وادى الى ردة فعل اميركية بايصال اول رجل اسود للرئاسة في التاريخ الاميركي، فيما ارتبط اسم بوش واعوانه بالفشل والمصائب.
الخطوة كارثية ايضاً على السياسة الاميركية، فالحروب في حال حصولها، ستعني دخول الجيش الاميركي على الخط بقوة، وهو امر يتفاداه الاميركيون ولا يحبذونه، وقد اثبتوا انهم لا يرغبون في ارسال اولادهم الى بلاد اخرى ليموتوا فيا بطرق شنيعة، فيما الهدف هو الحفاظ على بلادهم فقط. ولن تنجح اي سياسة قد يحاول ترامب ايجادها من اجل عدم الزج بالجنود الاميركيين في المعارك والاكتفاء بالقصف من بعيد والاعتماد على جنود او محاربين محليين.
الخطوة كارثية ايضاً على الدبلوماسية والحضور الاميركي، فاعتماد الحروب لا يحظى بتأييد عالمي، وحتى اقرب الحلفاء يفضلون عدم الخوض في مخاطر الحروب وتداعياتها على السياسة والامن والاقتصاد، وبالتالي قد تزداد عزلة الاميركيين ولن يجدوا من يقف الى جانبهم في قراراتهم، ناهيك عن ان استعادة النفوذ لا تكون بهذه الطريقة لان الرهان يبقى على التطورات الميدانية التي تبرع فيها روسيا وايران حالياً، فيما لم تجد واشنطن الطريق المناسب بعد للتفوق عليهما في هذا المضمار، بسبب عدم رغبتها في التعرض لخسائر بشرية.
ليس كارتر مجرد عجوز يصرخ ولا يدرك ما يقوله، انما يجب الاستماع الى تحذيره جدياً، وعلى الولايات المتحدة ان تستعد لكل الاحتمالات في ظل الطاقم الجديد، خصوصاً وان القائلين بعدم انهاء ترامب لولايته بدأوا يكثرون حيث قد يكون اول رئيس اميركي في القرن الجديد يغادر البيت الابيض بظروف غير طبيعية.