في الرمزية السياسية، ما يجري في دوائر بعلبك - الهرمل والبقاع الغربي هو في كفّة، وسائر الدوائر الانتخابية في كفّة أخرى. وإلّا، فلماذا يصرّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله على منع أي خرق في لائحة بعلبك - الهرمل، ولماذا يعتبرالأمين العام لـ»المستقبل» أحمد الحريري أنّ خرق أي مقعد شيعي في اللائحة سيكون بوزْنِ المقاعد الـ127؟!
بالنسبة إلى دمشق و«حزب الله»، هذه الانتخابات يجب أن تكرِّس انتهاء مفاعيل «الخطأ» الذي وقع في آذار 2005، وأدّى إلى انقلاب المعادلات الداخلية وخروج سوريا. لذلك، سيكون أساسياً أن يدخل رموز «الحقبة السورية» إلى المجلس، لأنهم سيكونون بمثابة شهود على استعادة المرحلة بما فيها… إلّا عودة الجيش السوري طبعاً.
ولا يريد السوريون تصحيح الوضع في مؤسسات السلطة، من خلال موقع حليفهم الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وغالبية مريحة في مجلس نيابي يترأسه الرئيس نبيه بري، وحكومة مطواعة لنَهجهم، بل أيضاً يعمل السوريون لإنهاء الحالة الجماهيرية المسمّاة «سيادية»، من خلال تحطيم حالة 14 آذار السياسية.
ولذلك، هناك ضغط معنوي تتعرض له جماهير القوى التي كانت محسوبة ضمن 14 آذار، ولا سيما في بعلبك - الهرمل والبقاع الغربي - راشيا. وستثبت الانتخابات إذا كان استحقاق 6 أيار سيوصِل إلى المجلس النيابي رموز دمشق أم لا؟
والمقصود هنا خصوصاً: اللواء الركن جميل السيّد في بعلبك ـ الهرمل، وعبد الرحيم مراد وإيلي الفرزلي في البقاع الغربي - راشيا. واللعبة تبدو مرهونة بحسابات دقيقة تجريها القوى المتنازعة، ولا سيما منها محور دمشق - «حزب الله» ومحور «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والكتائب وحلفائهم. ففي الدائرتين، يبدو أنّ الثنائية القديمة، 14 و8 آذار، ما زالت على قيد الحياة.
1 - في بعلبك - الهرمل، هناك 5 لوائح تتنافس على 10 مقاعد (6 شيعة، سنيّان، ماروني وكاثوليكي). وفي العام 2009 كان عدد الناخبين المسجلين 256 ألفاً، واليوم بلغ 309 آلاف، أي بزيادة 20,5%.
في 2009، كانت نسبة الاقتراع 49,7%. وإذا لم يتغيَّر في 6 أيار، فسيكون الحاصل الانتخابي نحو 15 ألفاً. ويمكن أن يتغيَّر بعد حذف لوائح لم تحقّق هذا الحاصل.
المعركة تدور خصوصاً بين لائحة «حزب الله» و«أمل» والحزب القومي السوري الاجتماعي، ولائحة تحالف «المستقبل» و«القوات اللبنانية».
• الأولى تضم اللواء جميل السيّد، حسين الحاج حسن، ايهاب حمادة، علي المقداد، إبراهيم الموسوي، وغازي زعيتر (شيعة) يونس الرفاعي والوليد سكرية (سنيّان)، إميل رحمة (ماروني) وألبير منصور (كاثوليكي).
• الثانية تضم يحيى شمص، رفعت المصري، محمد سليمان، غالب ياغي، خضر طليس ومحمد حمية (شيعة)، بكر الحجيري وحسين الصلح (سنّيان)، أنطوان حبشي (ماروني) وروبير الخوري (كاثوليكي).
واللافت أنّ «التيار الوطني الحر» بقي خارج اللائحتين المتواجهتين. في البداية حاول التعاون مع الرئيس حسين الحسيني. لكنّ انسحاب الحسيني سيدفع «التيار» إلى خيارات عدة بين اللوائح.
في الموازاة، هناك 3 لوائح أخرى: إحداها ضمّت ميشال ضاهر عن الكاثوليك، وغادة عساف عن الشيعة، والمرشح البعثي فايز شكر. والأخريان تضمّان مرشحين يمكن اعتبارهم إجمالاً قريبين من «المجتمع المدني».
الناخبون الشيعة نحو 226 ألفاً، السنّة نحو 41 ألفاً، الموارنة نحو 22,7 ألفاً والكاثوليك نحو 16 ألفاً.
في ظل لائحة الحسيني، كانت مخاوف «الثنائي الشيعي» من خرق مقعد شيعي، يمكن أن يكون مقعد اللواء السيّد، أكثر رَجحاناً. ولكن، بانفراط اللائحة، وتشتت الأصوات «الاعتراضية» على اللوائح الأخرى، بات الثنائي أكثر اطمئناناً.
ويعتقد متابعون أنّ لائحة «المستقبل»- «القوات» يمكن أن توفّر حاصلين انتخابيين وأصواتاً تفضيلية لسنّي ولمرشح «القوات» الماروني. ويبقى تحصيل المقعد الشيعي المستهدف، أي إسقاط السيّد، أمراً مشكوكاً فيه في ظل تشتّت الأصوات وخوض التجربة للمرة الأولى بقانون الانتخاب النسبي - التفضيلي.
ويرجّح كثيرون أن يتم تجاوز الأزمة التي اعترضت السيّد، والمتعلقة بدعوته كشاهد إلى المحكمة الدولية في لاهاي، بتأجيل الموعد إلى الصيف، إذا لم يكن وارداً الإدلاء بها من بيروت عبر وسائل اتصال مشروعة.
2 - في البقاع الغربي - راشيا، هناك نسخة ثانية من معركة 8 و14 آذار. الناخبون نحو 141 ألفاً، والمقاعد 6: سنّيان وماروني وأورثوذكسي وشيعي ودرزي.
يتحالف تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي في لائحة تضم: زياد القادري ومحمد قرعاوي عن المقعدين السنيين، غسان سكاف عن المقعد الأرثوذكسي، أمين وهبي عن المقعد الشيعي، وائل أبو فاعور عن المقعد الدرزي وهنري شديد عن المقعد الماروني.
وأما اللائحة المقابلة ففيها سنّي واحد هو عبد الرحيم مراد، الفرزلي عن المقعد الأرثوذكسي، فيصل الداود عن المقعد الدرزي، محمد نصرالله (حركة «أمل») عن المقعد الشيعي وناجي غانم عن المقعد الماروني.
ولم يشارك «التيار الوطني الحر» في اللائحة، لكنّ باسيل أعلن دعم الفرزلي الذي كان قد أعلن ترشحه بصفة شخصية. وأمّا «القوات اللبنانية» فلم تشارك بعد تعذّر إعلان لائحة مع اللواء أشرف ريفي. هناك نحو 68 ألف ناخب سنّي في الدائرة، و20 ألف شيعي و20 ألف درزي و30 ألف مسيحي (10 آلاف ماروني، 10 آلاف أورثوذكسي، و10 آلاف كاثوليكي).
المتابعون يقولون: إذا اقترع نحو 60%، يمكن لـ«المستقبل» أن يأتي بنحو 32 ألف صوت سنّي، ومراد نحو 10 آلاف، و«التيار» ما بين 3 آلاف و5 آلاف، و«القوات» والكتائب نحو 4 آلاف، والفرزلي نحو 3 آلاف. ويمكن تالياً أن تحقّق لائحة «المستقبل»- الاشتراكي نحو 3 حواصل إنتخابية، مع كُسور، من أصل 6، ويكون للائحة المقابلة نحو حاصلين مع كسور.
وفي عبارة أخرى، سيكون وارداً فوز عبد الرحيم مراد ومحمد نصرالله، لأنه مدعوم من «أمل». وفي المقابل، يفوز أحد السنيين من لائحة «المستقبل» والدرزي ابو فاعور والماروني شديد. وتبقى المنافسة الحسّاسة على المقعد الأرثوذكسي الذي يريده تحالف دمشق ـ «حزب الله».
ولذلك يتحرّك الفرزلي لتثبيت حضوره، فيما يعمل «المستقبل» وقوى 14 آذار لدعم منافسه الدكتور سكاف. وأساساً، اختار هذا الفريق شخصية علمية مستقلة، غير مصنّفة سياسياً، لتتمكن من الحصول على مروحة دعم كافية، في مواجهة الفرزلي.
إذاً، هل ستضمن دمشق و«حزب الله» إيصال «الرموز» الثلاثة: السيّد ومراد والفرزلي إلى المجلس مجدداً؟ وكيف سيواجه «المستقبل» وحلفاؤه لمنع ذلك؟