للحكومة أن تجد ذريعة تلو الذريعة لتأجيل توقيع اتفاقية التعاون العسكري مع روسيا. هذه المرة تذرّع الرئيس سعد الحريري باحتمال تعارضها مع نتائج مؤتمر روما 2
يصرّ الرئيس سعد الحريري على التهرّب من توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا. حججٌ وذرائع تتوالد وتتوالى بهدف وحيد، هو منع لبنان من التعاون العسكري مع موسكو، وبدل ذلك، الخضوع الكامل لتسليح الجيش اللبناني من دول «الناتو»، بالسلاح الذي لا يمكن أن يردع إسرائيل حتماً.
وإذا كان موقف الحريري مفهوماً، فإن موقف حلفاء روسيا في لبنان ليس مبرراً عند موسكو، لناحية التساهل مع ما يضرّ بمصالح البلدين والركون إليه، وتحويل الجيش شيئاً فشيئاً إلى حالة مشابهة للجيش الأردني. وحده النائب نوّاف الموسوي في جلسة مجلس النواب، أوّل من أمس، دعا إلى توقيع اتفاق تعاون عسكري استراتيجي مع روسيا، متّهماً الدول الأوروبية بـ«البخل».
في الأسبوعين الأخيرين، أنجز الجانبان اللبناني والروسي واجباتهما كاملةً لناحية إعداد نص الاتفاقية وتجهيزها للتوقيع المشترك بين الوزيرين سيرغي شويغو ويعقوب الصرّاف، خلال مشاركة الأخير في مؤتمر الأمن الدولي السابع المنعقد في موسكو خلال الأسبوع المقبل. قبل أسبوعين، رفع الصرّاف طلب منحه التكليف بالتوقيع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بغية إدراج البند على جدول أعمال الحكومة. مرّت جلسة الأسبوع الماضي وكأن شيئاً لم يكن. وبعد المراجعات الروسية، أُدرج بند تكليف الصرّاف بالتوقيع على الاتفاقية خلال المؤتمر في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي كبندٍ أول. فجأةً، طلب الحريري تأجيل البحث في الاتفاقية ومراجعة نصّها، والذريعة: ربّما تتعارض مع نتائج مؤتمر روما 2 الأخير. عندها، تقدّم الصرّاف بسحب الطلب من جدول الأعمال، لإعادته إلى الجهات العسكرية و«التأكد من أنه لا يتعارض مع مندرجات روما 2».
بالمناسبة، لم يُصب مؤتمر روما 2 توقّعات الأجهزة العسكرية والأمنية من حيث منح لبنان هبات دولية للتسليح والتطوير. وبحسب المعلومات، اقتصر «الدعم» على هيئة قرض طويل الأمد بقيمة 400 مليون دولار من فرنسا، وهبة قيمتها 10 ملايين دولار، أعلن عنها البريطانيون لدعم الجيش. البريطانيون والأميركيون أصلاً لا يحتاجون إلى روما ولا إلى غيره ليقدّموا الدعم، وهم سائرون في تقديمهم المساعدات العسكرية، تحديداً لأفواج الحدود البرية والفوج النموذجي الموعود في منطقة عمليات اليونيفيل جنوب نهر الليطاني. لم ينتج المؤتمر عمليّاً سوى مراكمة الديون على لبنان، وتسويق الأسلحة الفرنسية.
أما سلوك الحريري تجاه اتفاقية التعاون العسكري مع موسكو، فيدلّ على أن رئيس الحكومة يساير المصلحة الغربية أكثر من السعودية وتركيا والعراق وقطر والإمارات ومصر... وحتى الأردن. فهذه الدول (عدا العراق) واقعة في الحضن الأميركي، بل هي جزء من أذرع الأميركيين في المنطقة، ومع ذلك، تعقد الاتفاقيات العسكرية مع روسيا وتشتري منها السلاح بما يؤمّن مصالحها الوطنية والدفاعية.
وإذا كان الحريري وما يمثل حريصاً على الاستراتيجية الدفاعية، ويريد البحث عن تطوير قدرات الجيش وتسليحه بما يردع إسرائيل عن الاعتداء على لبنان، حتى تنتفي الأسباب التي قامت المقاومة على أساسها، فإن التسليح الروسي وحده القادر على تأمين قدرات ردعية جديّة. الأسلحة الروسية المضادّة للطائرات والمضّادة للدروع هي الدواء الوحيد في مواجهة التفوق الجوي وتفوّق المدرعات الإسرائيلي، والتي لا يمكن للأميركيين أن يقدّموها للبنان، تماماً كما الموقف الروسي في المحافل الدولية يقف دائماً مع لبنان، بينما يغطّي الأميركيون الموقف الإسرائيلي على جاري عادتهم.
في اليومين الماضيين، تواصل المعنيون في وزارة الدفاع والصرّاف مع الجانب الروسي، ووضعوه في صورة التطوّرات، كذلك فإن الصرّاف حدّد موعداً جديداً للتوقيع، وزيارةً إلى موسكو خلال شهر نيسان، لكنّه اعتذر عن عدم حضور مؤتمر الأمن الدولي الأسبوع المقبل. الوقت يضيق قبل الانتخابات النيابية، وأمام الحكومة فترة وجيزة لإقرار تكليف وزير الدفاع بتوقيع الاتفاقية. أكثر ما قد يُزعج موسكو، هو أن «تُطنّش» الحكومة وتُرَحَّل الاتفاقية إلى ما بعد الانتخابات، لتصبح بعدها رهينة تشكيل الحكومة والتجاذب السياسي، بذرائع جديدة.