يشير نواب ووزراء من مختلف الأطياف السياسية والطائفية في لبنان إلى "خلط الأوراق من دون أن تكوّن حكومة بثبات "إعلان النيات" بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" ولا بالتمسك بحرفية ورقة التفاهم بين "حزب الله" و "التيار الوطني الحر" التي توصل إليها أمينه العام السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون في شباط 2006، أي قبل سنوات من انتخابه رئيساً للجمهورية"، لافتة الى أن "الثابت الوحيد كما يقول هؤلاء التحالف الاستراتيجي بين حركة "أمل" و "حزب الله" وإن كان الأخير يحرص على مراعاة حليفه "التيار الوطني" لكن ليس على حساب التفريط بتحالف "الثنائي الشيعي"، فيما أصابت الندوب السياسية نتيجةَ الائتلافات الانتخابية "قوى 8 آذار"، التي لم تحسن التحالف تحت سقف واحد، كما أصابت من قبل ومنذ دعم رئيس الحكومة زعيم تيار "المستقبل" ترشح العماد عون للرئاسة "قوى 14 آذار" التي أصبحت من الماضي ودخلت في متاهات الخلاف حول أولوية الخيارات السياسية".
ويلفت النواب والوزراء أنفسهم لـ"الحياة" إلى "إمكان قيام كتلة وسطية في البرلمان العتيد تجمع تحت سقفها "اللقاء الديمقراطي" بزعامة وليد جنبلاط، الذي يحرص حتى الساعة على تحالفه مع تيار "المستقبل" من موقع التباين حول عدد من القضايا، أبرزها ملف الكهرباء، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وتيار "المردة" برئاسة سليمان فرنجية، مع أن جنبلاط نجح في تثبيت تحالفه الانتخابي مع القوات ولم يخضع لحملات التهويل والابتزاز التي مارسها "التيار الوطني".
ويؤكد هؤلاء: "إذا كانت التسوية التي توصل إليها العماد عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية مع الحريري ستبقى صامدة ولن تتأثر بالتداعيات السياسية للانتخابات النيابية، خصوصاً أن "التيار الوطني" و"المستقبل" يطمحان للوصول إلى البرلمان بأكبر كتلتين نيابيتين لا يمكن التفريق بينهما مهما كثرت الإغراءات السياسية، فإن دفعهما إلى الطلاق السياسي يبقى من سابع المستحيلات"، مشددا على أن "ثبات التحالف بين المستقبل والتيار الوطني لا يعني أن الأخير لديه القدرة على التفريط بعلاقته بحزب الله، وسيحاول رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل اتباع سياسة تدوير الزوايا، لأنه في حاجة ماسة إليه لعبور الممر الآمن إلى رئاسة الجمهورية، على رغم أنه يخوض من خلال الانتخابات النيابية أولى معاركه في مواجهة منافسيه رئيس "القوات" سمير جعجع وزعيم "المردة" سليمان فرنجية".
ويضيف هؤلاء أن "باسيل بدأ يخطط منذ الآن للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، وهذا ما يبرر له من وجهة نظره عدم التقيد بالحد الأدنى من قناعاته السياسية في نسج تحالفاته الانتخابية وقد نجح إلى حد كبير في أن يتحالف مع "الثنائي الشيعي" و"جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" (الأحباش) في دائرة بيروت الثانية، مقابل تحالفه في أكثر من دائرة مع خصم الأخيرة، أي "الجماعة الإسلامية"، إضافة إلى تفضيله التحالف مع رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" الوزير طلال أرسلان في الشوف وعاليه على حساب حليفه الآخر رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهاب".
ويرى النواب والوزراء أنفسهم أن "باسيل نجح إلى حد كبير في أن يستثمر ما يقال في الصالونات السياسية من أن لا صوت يعلو فوق صوته داخل الفريق الذي تتشكل منه الحلقة الضيقة إلى جانب رئيس الجمهورية أو في عرينه "التيار الوطني" ويقوم بإقصاء المرشحين المحسوبين على "تكتل الإصلاح والتغيير" ممن لا يدينون له بالولاء المطلق، إضافة إلى تنظيم حرب إلغاء في بعض الدوائر الانتخابية، ظناً منه أنه سيكون الممثل الأقوى إن لم يكن الأوحد للمسيحيين في البرلمان، على غرار ما أنجزه في التعيينات الإدارية التي مكنته من الإطاحة بكل من يعتقد أن ولاءه للآخرين وليس له".
ويكشف هؤلاء أن "لا فضل لباسيل في ضم نائب رئيس البرلمان السابق إيلي الفرزلي على لائحة الوزير السابق عبدالرحيم مراد في منافسة لائحة "المستقبل- التقدمي" في "البقاع الغربي راشيا"، ويؤكدون أن مراد وافق على مضض على ضمه إلى لائحته بتدخل من مرجع كبير وبوساطة من رئيس البرلمان نبيه بري".
ويعزون السبب إلى أن باسيل "يخطط لإبعاده في حال فوزه عن الترشح لمنصب نائب رئيس البرلمان لأنه يفضل أن تقع "القرعة" على عضو "تكتل التغيير" الوزير السابق الياس بوصعب، كما فعل في إقصائه نواباً حاليين عن الترشح، واعداً إياهم بإسناد حقائب وزارية إليهم في الحكومة الجديدة، على رغم أن كثرة وعوده في هذا المجال لا تحصى، ما دفع أحد النواب إلى القول على هامش الجلسة النيابية التي خصصت لإقرار الموازنة للعام الحالي، إن الاستجابة لوعوده باتت تستدعي تشكيل حكومة فضفاضة تتسع لأكثر من 40 وزيراً".
ويؤكدون أن "باسيل نجح من حيث يدري أو لا يدري في الإكثار من خصومه السياسيين، سواء من خلال مواقفه في معظم جلسات مجلس الوزراء أو عبر مفاوضاته لتشكيل اللوائح الانتخابية، بذريعة أنه يخطط للمجيء بأكبر كتلة نيابية داعمة لرئيس الجمهورية، ليكون في وسع الأخير لعب دور فاعل لتأمين ولادة طبيعية لحكومة العهد الأولى، كأن حكومة «استعادة الثقة» برئاسة الحريري ولدت شبه يتيمة".
ويسأل الوزراء والنواب أنفسهم: "إذا كان باسيل استأثر بالحصة الكبرى من التعيينات التي أصدرتها الحكومة الحالية، مع أنها ليست من وجهة نظره حكومة العهد الأولى، فكيف سيكون وضعه في الحكومة العتيدة، على رغم أن الحريري نجح في أن يعيد لبنان إلى خريطة العلاقات العربية فيما كان باسيل السبب في افتعال معارك جانبية مع عدد من دول الخليج، وتبين أن لا لزوم لها"، مشيرين الى أن "الحريري لعب دوراً في إعادة لبنان إلى شبكة الأمان الدولية التي ساهمت إلى حد كبير في تدعيم الاستقرار السياسي والأمني، وفي الوقت ذاته في إخراجه من تأثير محور دول "الممانعة" على سياسته الخارجية، تمهيداً للانتقال به موقع يضمن للبلد تحييده عن الحروب المشتعلة حوله في المنطقة".
ويقول الوزراء والنواب إن "المعيار الوحيد الذي يتبعه باسيل في نسج تحالفاته الانتخابية يكمن في أنه لا يبالي في جمعه بين الأضداد تحت سقف واحد بحثاً عن مقعد من هنا وآخر من هناك يؤمن له الوصول إلى البرلمان على رأس أكبر كتلة نيابية، وهذا ما لم ينسحب على "المستقبل"، الذي حرص إلى حد ما في تشكيل لوائحه الانتخابية على الانسجام بطروحاته السياسية، وإن كنا نعتقد أنه أعطى بتحالفه مع التيار الوطني حصة منتفخة تفوق حجمه الانتخابي في بعض الدوائر".