بما أنّ الدورة المُقبلة من الإنتخابات النيابيّة ستتم وفق قانون جديد يُدخل النسبيّة للمرّة الأولى، مع ميزة "الصوت التفضيلي"، وبما أنّ لا نتائج لدورات سابقة للبناء عليها، إعتمدت القوى السياسيّة الأساسيّة في لبنان تكتيكات ومُقاربات مُختلفة للتعامل مع مسألتي الترشيحات واللوائح. وكان لافتًا وُجود فوارق إلى درجة التناقض بين أكثر من طرف. وفي هذا السياق يُمكن تسجيل المُلاحظات التالية:
حزب "القوات اللبنانيّة" إعتمد تكتيكًا يقضي بتركيز المُحازبين والمُؤيّدين على مرشّح أساسي واحد في كل دائرة صُغرى (مع إستثناءات محدودة) لمنحه "الأصوات التفضيليّة" كلّها، مع التركيز على قُوّة "القوّات" الذاتية في العديد من الدوائر. فمثلاً في المتن لم تدخل "القوّات" في تحالفات مُهمّة تُذكر، علمًا أنّ "أصواتها التفضيليّة" ستصبّ لصالح مرشّحها الحزبي ماجد إدي أبي اللمع، وفي "كسروان–جبيل" التحالفات محدودة مع المُستقلّينومع حزبي "الأحرار" و"الكتلة الوطنيّة" اللذين تراجعت شعبيّتهما كثيرًا في العقُود الأخيرة، علمًا أنّ "الأصوات التفضيليّة" الخاصة بمُناصري وبمُؤيّدي "القوّات" ستصب لصالح شوقي الدكاش في كسروان وزياد حوّاط في جبيل، باعتبار أنّ القانون الحالي يمنع ناخبي "الدائرة الصُغرى" من منح "أصواتهم التفضيليّة" لأي مرشّح خارج هذه الدائرة. وفي "الشوف–عاليه" وعلى الرغم من دُخول "القوات" في تحالفات مع قوى سياسيّة أساسيّة، فإنّها إعتمدت التكتيك نفسه القاضي بتركيز "الصوت التفضيلي" على مرشّح واحد في كل "دائرة صُغرى"، وفي هذه الحال على جورج عدوان في الشوف وعلى أنيس نصّار في عاليه. وفي "بعلبك الهرمل" التركيز على مرشّح واحد هو أنطوان حبشي، وفي عكّار على وهبي قاطيشا، وفي بعبدا على بيار أبو عاصي، وفي جزين على عجاج حداد، إلخ. وقد يكون الإستثناء الأبرز في بشرّي حيث تدعم "القوّات" كلاً من ستريدا جعجع وجوزيف إسحاق كونها تتمتّع بالقُدرة على إيصال مرشّحين في آن واحد، علمًا أنّ "القوّات" قدّمت أيضًا مُرشّحين في بيروت مثلاً، هما عماد واكيم ورياض عاقل، بحيث إذا لم يعد أحد المقاعد المذهبيّة مُتوفّرًا يكون المقعد المذهبي الآخر محجوزًا لصالحها، بشرط تأمين "الحاصل الإنتخابي" طبعًا.
"التيّار الوطني الحُرّ" إعتمد من جهته تكتيكًا مُختلفًا تمامًا عن "القوّات" حيث ركّز "التيّار" على مسألة رفع "الحاصل الإنتخابي" للائحة ككل، من خلال بناء تحالفات مع قوى وشخصيّات منوّعة، بعضها لم يكن يومًاحليفًا له! كما أنّه لم يتوقّف عند مسألة "الصوت التفضيلي"-كما فعلت "القوّات"، حيث أنّ "التيّار" قدّم العديد من المُرشّحين في مُختلف "الدوائر الصُغرى". وبالتالي، في الوقت الذي تهتمّ فيه "القوّات" بأن يفوز مرشّحها الأساسي بالصوت التفضيلي، حتى لو إستحوذت لائحتها على "حاصل إنتخابي" واحد أو إثنين فقط، يعتمد "التيّار الوطني الحُرّ" العكس تمامًا، حيث أنّه يُركّز على الفوز بأكبر عدد مُمكن من "الحواصل الإنتخابيّة" مع حلفائه وشركائه على نفس اللائحة، لقطع الطريق على الآخرين، ولتأمين مجموعة حتميّة من المقاعد بغض النظر عن هويّة وإسم الشخص الذي سيفوز. والأكيد أن لا تركيز على "الصوت التفضيلي" المُركّز من جانب "التيّار"، كونه قدّم مَجموعة ضمّت 61 مرشّحًافي الدوائر كافة عند إعلانه لوائحه، وأكثر من مرشّح في نفس "الدائرة الصُغرى" لأغلبيّة الدوائر الإنتخابيّة. وبلغ عدد مُرشّحي "التيّار" في "جزين–صيدا" مثلاًثلاثة مسيحيّين محسوبين مُباشرة على "التيّار" همزياد أسود، وأمل أبو زيد، وسليم خوري. وإذا توقّفنا عند تكتيك "التيّار" في منطقة أخرى، وتحديدًا في "كسروان-جبيل" مثلاً، فهو قدّم أربعة مُرشّحين مباشرين هم شامل روكز وروجيه عازار وسيمون أبي رميا ووليد خوري، وأربعة مُرشّحين حلفاء هم نعمت إفرام ومنصور غانم البون وزياد بارود وربيع عوّاد. وقد أدار "التيّار" ظهره للإنتقادات التي طالت تحالفاته مع "خُصوم الأمس"، مثل منصور غانم البون ورياض رحّال، ومع قوى لا يتوافق معها سياسيًا وعقائديًا مثل "الجماعة الإسلاميّة"، كون إستراتيجيّته تُركّز على رفع "الحاصل الإنتخابي" بأي ثمن. ومن ضُمن المُلاحظات التي يُمكن تسجيلها أيضًا أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" قدّم مجموعة كبيرة من المُرشّحين المُسلمين في تشديد على تموضعه العابر للطوائف، تمامًا كما فعل "تيّار المُستقبل" من الموقع المُقابل، حيث قدّم بدوره مجموعة كبيرة من المُرشّحين المسيحيّين.
وبالإنتقال إلى "حزب الله" فهو بدوره إعتمد تكتيكًا إنتخابيًا خاصًا به، حيث أنّ الأغلبيّة الساحقة من المُرشّحين على لوائح "الحزب" محسوبة عليه مُباشرة، أي أنّ أغلبيّتهم سينضمّون إلى كتلته النيابية، وبطبيعة الحال إلى كتلة "حركة أمل"، باعتبار أنّ "الثنائي الشيعي" يخوض معاركه الإنتخابيّة ضُمن تحالف مُشترك في مُختلف الدوائر. وعلى الرغم من أنّ "حزب الله" يُركّز على تكتيك "الحاصل الإنتخابي"–على غرار "التيّار الوطني الحُرّ"، فهو يختلف عن هذا الأخير على صعيد مصدر هذا "الحاصل". فالتيار البُرتقالي يُعوّل على كل من مُناصريه، وعلى القواعد الشعبيّة للقوى الحليفة، وعلى قواعد القوى التي تجمعه معها "مصلحة مُشتركة" أيضًا، لرفع "الحاصل الإنتخابي" للوائحه، بينما "حزب الله" يُعول حصرًا على قُدراته الذاتيّة في هذا المجال، وهو يعتمد على الحشد والتعبئة المُسبقة في بيئته الحاضنة لرفع نسبة الإقتراع إلى أقصى الدرجات، وبالتالي لرفع "الحاصل الإنتخابي" المُؤيّد له، ما يقطع الطريق حُكمًا أمام الإختراقات، أو على الأقلّ يجعلها شديدة الصُعوبة. وبالنسبة إلى "الصوت التفضيلي" فإنّ "الحزب" يتفوّق على "التيّار الوطني الحُرّ" على صعيد القُدرة على توزيع "الصوت التفضيلي" بشكل مُنظّم ودقيق على كل مُرشّحي لوائحه، بينما يبدو "التيّار البرتقالي" أقلّ تنظيمًا في هذا الصدد، ويأتي "تيّار المُستقبل" في مرتبة متدنّية في هذا المجال، علمًا أنّ تنظيم "الصوت التفضيلي" ضروري جدًا لعدم منح أحد المرشّحين أو بضعة مرشّحين نسبة مُبالغة من الدعم، على حساب إضعاف حُظوظ باقي المرشّحين على اللائحة المعنيّة.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ تكتيكات مُختلفة ستُعتمد في المعركة الإنتخابيّة المُرتقبة في السادس من أيّار المُقبل، من دون أن يُعرف بعد أيّ الأساليب هي الأفضل والأكثر صوابية، حيث أنّ الكلمة ستكون في نهاية المطاف للناس، ولنتائج صناديق الإقتراع، ليُبنى على الشيء مُقتضاه.