لم تحظ منطقة بعلبك-الهرمل بأي اهتمام عربي، كما الحال اليوم. لم تُنفذ فيها مشاريع تنموية ممولة من صندوق خليجي او عربي. كانت تُصنّف في خانة المناطق المنسية لاعتبارات إما أمنية، أو ديمغرافية، أو سياسية. علماً أنها تشكّل نسيجاً متنوعاً للطوائف والمذاهب والانتماءات العقائدية.
تلك الدائرة الانتخابية الاوسع جغرافياً، كانت تُحسب على "الثنائي الشيعي" في الانتخابات النيابية والحسابات السياسية والحكومية والشعبية. تم وصفها "بخزان المقاومة". فجأة أطلّت قوى "14 آذار" من عرسال، البلدة المترامية الانتشار، التي استند اليها تيار "المستقبل"في مدّ تظاهراته التي أقامها في وسط بيروت، قبل ان يسرق التطرف الاسلامي عرسال من لبنانيتها، وتُصبح الركيزة لمشروع مسلّح امتد على طول الحدود الشرقية، متجاوزاً الحدود الجغرافية مع سوريا. لم يكن الاهتمام قائماً بها حكومياً، ولا اكتراث بها داخلياً قبل ازمات 2005، ثم 2011
تدخل الجيش اللبناني وأعاد عرسال الى حضن الدولة بعد دحر الارهاب من جرودها الشرقية، نتيجة معارك لعب فيها "حزب الله"الى جانب الجيش دوراً بارزاً في قتال الارهابيين.
عرسال نفسها يراهن عليها اليوم تيار "المستقبل"، الى جانب الأصوات السنية في بعلبك والعين، لإيصال مرشح أزرق الى المجلس النيابي، مستفيداً من الحاصل النيابي الذي يؤمنه في هذه الدائرة. لكن الحسابات لا تقف عند هذا الحد. في بعلبك يتردد الكلام عن "فرض دول عربية" تحالف "المستقبل" و"القوات" لتحصيل أكبر عدد من الأصوات. هذا "الفرض" يستفيد منه التيار الازرق و"القوات"معاً، لتأمين حاصل انتخابي يسمح بفوز مرشحين، سني وماروني.
لكن الفريقين اللذين اختلفا في كل الدوائر، واجتمعا في بعلبك-الهرمل فقط، يسعيان للخرق في أحد المقاعد الشيعية أيضاً. لم يخفيا تلك الرغبة. لذلك، تمّ ضم شخصيات شيعية وازنة الى اللائحة، يبرز منها اسم النائب السابق يحيى شمص.
طبيعة المعركة الإنتخابية بدأت تتظهر، بعد زيارة السفيرين الاماراتي والسعودي الى بعلبك في رسالة واضحة بأن الاهتمام الخليجي بالمنطقة صار علنياً. الهدف هو "حزب الله"تحديداً، الذي تعاطى مع الزيارتين بروح رياضية في العلن، لكنه سيستفيد ضمناً بإستخدامها للدلالة على حجم المعركة الانتخابية السياسية التي تُخاض في عقر داره.
دخلت بعلبك-الهرمل الى مساحة الرسائل الاقليمية. ساهم بذلك طبيعة القانون الانتخابي. فهل تبدّل تلك التدخلات بطبيعة ومسار ونتائج الانتخابات؟
هي تحمل وجهين: دفع الصوت السني للاقتراع للائحة "المستقبل"-"القوات". وبالمقابل، رص الصفوف عند قوى " 8آذار" خلف لائحة "الثنائي الشيعي" وحلفائه.
بالنسبة الى رئيس حزب "القوات"سمير جعجع، هو حقّق اهدافه قبل صدور نتائج الانتخابات. رفع "الفيتو"الشيعي الذي كان يمنع ضمنياً التحالف معه، وصار حليف شخصيات سياسية ذات طبيعة عشائريّة تشكّل صلب المكون الشيعي في بعلبك-الهرمل، خصوصا آل شمص والمصري وآخرين. كما ينتظر جعجع نجاح مرشحه طوني حبشي بعد تأمين تلك الشخصيات والاصوات السنيّة الحاصل الانتخابي لفوز حبشي. لكن الخطوة ليست مضمونة، بفعل تمدد النائب اميل رحمة بقاعياً، وقدرته على جذب أصوات مسيحيّة كاثوليكية ومارونية، وشيعية وسنية.
من جهته "حزب الله" يدرك حجم الخطورة السياسية التي يمكن أن يفرضها نجاح اكثر من مرشحين "للقوات" و"المستقبل". ولهذه الغاية يُخصص الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الاهتمام الاكبر في الانتخابات لبعلبك-الهرمل. انها معركة سياسية تتخطى أبعادها حجم نائب وإثنين أو ثلاثة. هي مساحة الرسائل الاقليمية لمنع الحزب من التفرد بقرارها، لا بل مقارعته في "عقر داره".