في القانون اللبناني يحق لأي شخص تنطبق عليه بعض الشروط الشكليّة الترشّح عن أي مقعد في أي دائرة إنتخابيّة، لكنّ هذا الأمر الصحيح من الناحية النظريّة لا يمرّ مُرور الكرام من الناحية العمليّة لدى بعض القوى السياسيّة والحزبيّة وحتى المناطقية. والأمثلة مُتعدّدة، لكن منها ما هو نافر أكثر من غيره. وفي هذا السياق، لا بُد من التوقّف عند مثال دائرتي "بعلبك–الهرمل" و"كسراون جبيل".
ففي دائرة "بعلبك – الهرمل" التي تضمّ 10 مقاعد نيابيّة، منها 6 مقاعد شيعيّة إضافة إلى مقعدين سنّيين ومقعد لكل من المذهبين الماروني والكاثوليكي، تعمل ماكينة "حزب الله" الإنتخابيّة" بكل ما أوتيت من قُوّة على تحفيز الناخبين المُؤيّدين لمحور "المُقاومة والمُمانعة" على التصويت للائحة "الأمل والوفاء"(1)التي إختار "الحزب" بنفسه المُرشّحَين لمقعديها الماروني والكاثوليكي، والمُرشّحَين لمقعديها السنّيين، إضافة طبعًا إلى مرشّحيها الست للمقاعد الشيعيّة. وكل خُطابات مسؤولي "حزب الله"، من أعلى الهرم نُزولاً، تُشدّد على ضرورة منع الخرق، وعلى منع فوز من هم خارج لائحة "الحزب" لأنّه لا يُمكن لهؤلاء أن يُمثّلوا أهالي "بعلبك-الهرمل"، علمًا أنّه توجد أربع لوائح منافسة، أبرزها اللائحة المدعومة من قبل كل من "تيّار المُستقبل" وحزب "القوّات اللبنانيّة"، وهي بعنوان "لائحة الكرامة والإنماء"(2)، إضافة إلى لوائح تُعطي الأولويّة للإنماء وتُعارض التفرّد بالقرار، علمًا أنّها لا تخرج إطلاقًا على خط "الحزب" السياسي العام، وبعضها يُغرّد تحت سقف "المُقاومة والمُمانعة" وفي طليعتها اللائحة المُسمّاة "مستقلّة" والتي من بين مرشّحيها الأمين القطري السابق لحزب البعث العربي الإشتراكي فايز شُكر، والمُحامية سندريلا مرهج المشهورة بمواقفها الإعلامية الداعمة لخط "المُقاومة"، على سبيل المثال لا الحصر.
وفي الوقت عينه، قام "حزب الله" بتشكيل لائحة كاملة في دائرة كسروان التي تضم 8 مقاعد منها 7 مقاعد مارونية إضافة إلى مقعد شيعي واحد، وهو يُجنّد كل طاقاته لجعلها تفوز بأكبر عدد من المقاعد، علمًا أنّ اللائحة المذكورة المُسمّاة "التضامن الوطني" تضمّ مسؤلاً حزبيًا في "حزب الله" هو الشيخ حسين زعيتر، ومن ضمن صُفوفها المرشّح بسّام الهاشم، المسؤول الذي إستقال من "التيار الوطني الحُرّ" حديثًا بسبب خلافات إنتخابيّة، والمسؤول السابق في حزب "القوّات اللبنانيّة" جوزيف الزايك الذي يُعتبر من أبرز مُعارضي قيادة "القوّات" الحالية. وبالتالي، إن ما يرضاه "حزب الله" في دائرة "بعلبك-الهرمل" التي تُعتبر حاضنة له ولخطّه السياسي، يُجيزه في دائرة "كسروان–جبيل"التي يعتبرها الكثير من المسيحيّين "عرين الموارنة والمسيحيّين" وهي تضم مدينة "جونية" التي شكّلت رمزًا من رموز "الحرب اللبنانيّة" نتيجة القول الشهير لرئيس "منظّمة التحرير الفلسطينيّة" الراحل ياسر عرفات "إن طريق القُدس تمرّ بجونية" في إشارة يومها إلى ضرورة كسر عرين "المُقاومة المسيحيّة" التي وقفت في وجه مُحاولات الميليشيات الفلسطينيّة فرض سيطرتها على لبنان في إطار خطّة إقليميّة ودَولية لتحويله إلى وطن بديل للفلسطينيّين. أكثر من ذلك، إنّ دائرة "بعلبك–الهرمل" تضم 4 مقاعد غير شيعيّة، بينما دائرة "كسروان-جبيل" لا تضمّ سوى مقعد واحد غير ماروني، ما يعني أنّ إحترام التنوّع الطائفي والمذهبي يجب أن يكون مُطبّقًا في "بعلبك الهرمل" قبل "كسروان جبيل". وحتى بعيدًا عن الأبعاد الطائفيّة والمذهبيّة غير المُحبّذة في المبدأ، لكن المُطبّقة في لبنان إلى حدّ التعصّب الأعمى، إنّ الميول السياسيّة لجزء كبير من الناخبين في "بعلبك الهرمل"، خاصة في صُفوف السنّة والموارنة والكاثوليك، غير مؤيّدة لسياسة "الحزب"، ما يستوجب رفع خطاب التخوين عن أي تصويت خارج اللائحة المُشكّلة والمدعومة من "حزب الله"، لتكون حريّة الرأي مُصانة وليكون العمل السياسي الديمقراطي مُطبّقًا.
وفي الخلاصة، ما هو مطلوب في "كسروان-جبيل" من ضرورة إحترام الأقليّة الشيعيّة في إختيار من تريد لتمثيلها، ومن ضرورة حماية حريّة العمل السياسي لمُختلف القوى، بما فيها "حزب الله"، وتقبّل مسألة تشكيله لائحة كاملة تضمّ سبعة مرشّحين مسيحيّين–موارنة إضافة إلى المرشّح الشيعي، يجب أن يُقابله إحترام مُماثل من "حزب الله" للأقليّات السنّية والمارونية والكاثوليكيّة في "بعلبك–الهرمل" لإختيار من تريد لتمثيلها، وعدم تخوين من يترشّح عن المقاعد الشيعيّة بوجه لائحة "الحزب"، إنطلاقًا من نفس منطق حريّة العمل السياسي!.
(1) تضم كلاً من: جميل السيّد، حسين الحاج حسن، إيهاب حماده، علي المقداد، إبراهيم الموسوي، غازي زعيتر، يونس زكريا، الوليد سكرية، ألبير منصور، وإميل رحمه.
(2) تضمّ كلاً من: محمد سليمان، غالب ياغي، خضر طليس، يحيى شمص، محمد حميه، رفعت المصري، بكر الحجيري، حسين صلح، سليم كلاس، وأنطوان حبشي.